برحيل علاء الدين كوكش (1942- 2020) أمس، طويت صفحة الفهرس في تاريخ الدراما السورية الرائدة... تلك التي وضعت بصمة محليّة لن تتكرّر. فرغم انتماء هذا المخرج المتفرّد إلى دراما الأبيض والأسود أولاً، إلّا أن أعماله كانت وما زالت محطّة أساسية في تأصيل دراما محليّة لم تلوثها موجة التسليع والتواقيع العابرة. هكذا ارتبط اسم هذا المخرج بأكثر الأعمال التلفزيونية تأثيراً، منذ «حارة القصر» (1970)، مروراً بمسلسل «أسعد الورّاق» (1975)، وصولاً إلى «القربان» (2014)، وقائمة طويلة من العناوين النوعية التي كانت تستدعي خلاء الشوارع من المارّين أثناء عرض بعض هذه الأعمال. نصف قرن واكب خلالها صاحب «تجارب عائلية» تحوّلات المشهد الدرامي السوري، من دون أن يفقد بوصلته في اختيار جهة الشمال، محقّقاً بذلك جرعة درامية لا تُنسى بسهولة، حتى لو كان العمل بدوياً مثل «راس غليص». ولكن ما الذي أتى بابن حي القيمرية الدمشقي إلى الشاشة؟ يدين علاء الدين كوكش بتشكيل ذائقته الثقافية إلى مكتبة أبيه الضخمة، وإلى رائحة الحارة الشعبية بقيمها المختلفة، الحارة التي تنتهي عند فناء الجامع الأموي، وحكواتي مقهى النوفرة، ثم تأسيس مكتبته الشخصية التي سيهديها لاحقاً إلى المكتبة التربوية، بعدما انتهى به المطاف في سنواته الأخيرة إلى غرفة في «دار السعادة للمسنين». رحلة طويلة للموظف الشاب في التلفزيون السوري الذي كان يتأبط كتبه أينما ذهب، مشبعاً بقيم الحارة من جهة، ومتطلّعاً إلى كنوز المعرفة خارج أسوارها. هجر دراسة الحقوق، ليدرس الفلسفة في جامعة دمشق، قبل أن يوفد إلى ألمانيا لتلقّي دورة في الإخراج التلفزيوني، منتصف ستينيات القرن المنصرم، وسوف يضع توقيعه الأول على نصوص حكمت محسن الإذاعية التي أعدها تلفزيونياً زكريا تامر بعنوان «من أرشيف أبو رشدي». لكن عمله الأبرز كان «مذكرات حرامي»، ثم «حارة القصر»، ثم «أسعد الورّاق»، ثم «تغريبة بني هلال»، بالإضافة إلى مجموعة من أعمال البيئة الشامية مثل «أبو كامل»، و«أهل الراية»، و«رجال العز». بالطبع، فإنّ نجاح هذه الأعمال ينطوي على مخزون ثقافي غني، لن نجده لدى معظم مخرجي اليوم، أولئك الذين أتوا المهنة من دون أيّ رصيد معرفي، عدا وضع النارجيلة أمام المونيتور وشوط المشاهد تباعاً كما لو أننا في ملعب كرة قدم للهواة. كان على علاء كوكش أن ينسحب تدريجاً من المشهد، بعيداً عن فوضى واحتضار وارتهان الصناعة الدرامية. ذهب الذي كان بمثابة أكاديمية درامية إلى عزلة اختيارية ممضياً سنواته الأخيرة في الكتابة الأدبية، فأنجز قصصاً وروايات ومسرحيات تحمل نفَساً متمرداً في مواجهة أحوال الهلاك السوري، مراقباً انطفاء الشعلة، في حرب أطاحت ذلك الزمن السعيد الذي كان صاحب «أولاد بلدي» أحد صانعيه. بالطبع لن ننسى حضوره المسرحي الاستثنائي كمخرج لنصَّي سعد الله ونوس «الفيل يا ملك الزمان»، و«حفلة سمر من أجل 5 حزيران»، وكذلك تحية المخرج محمد عبد العزيز لهذا المعلّم بظهور خاطف في مسلسله الأخير «شارع شيكاغو».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا