في غرفة جلوس شبه فارغة أو على شاطئ تحشره سماء سوداء، يلازم كائنات تمارا السامرائي (1977) قلق مشردين أعياهم عبث التفتيش عن طرقات جديدة، لكن هذه الأمكنة التي تبدو مفرغة من ألوانها، باستثناء بعض الضربات القاتمة النافرة، ليست سوى ديكور ملموس لإظهار علاقة ملتبسة ومجردة مع أمكنة الذاكرة. «في البداية، اعتقدت أن كل هذا التوتر ربما يملأ المكان من حولنا، وأنه لا بد من أن أرواحنا سكنت بالفعل الأماكن التي مكثنا فيها، لكنني كنت مخطئاً. وقد اتضح الأمر في الحلم، لأن واقع الحال هو أن تلك الأماكن هي التي سكنتنا وأثقلت كاهلنا». تتجاور رسالة الفنان روي سماحة إلى السامرائي في غاليري «مرفأ» (مرفأ بيروت) مع 20 لوحة أنجزتها الفنانة الكويتية اللبنانية بالأكريليك والفحم والرصاص في معرضها الفردي الرابع «مد»، الذي يستمر حتى 27 شباط (فبراير). أمام تلك الفتاة الصغيرة التي طاردتنا في «أوزان خفيفة» (2008)، وممارسات السامرائي الفوتوغرافية المركبة من مختلف المواد الفنية التي كانت الشخوص جزءاً أساسياً منها كما في «غيبة» (2011)، لا تزال الفنانة تجنح نحو تلك المساحات البيضاء في معرضها الجديد. تعمدت تغييب الكيان الكامل للشخوص وبتر أفعالهم، متماهية مع رسالة سماحة. رسمها للأمكنة الثابتة يجعلها مجرد وسيلة لفضح حالة الغياب، ولاستثارة قصص وروايات زائلة.
تركت لوحات ناقصة لحالات
مترددة وقلقة
تركت السامرائي لنا لوحات ناقصة لناحية الرسم، تعكس تجارب ذاتية وأحاسيس مترددة وقلقة. بضربات ريشة متعجلة وعبثية تقريباً، تخرج ألوان الأزرق الفاتح والرمادي والأبيض والبيج، من ذاكرة مشوّشة. ترتمي الأجساد المبتورة، والجنس المبعد، كعنصر حيادي من الأمكنة. وإذا تقبلنا هذه الحالات المتراجعة دائماً إلى الوراء، ستبدو مبررة اسكتشات الرصاص التي رسمتها بنية من لا يرغب في الحسم أو من تتفادى عيناه الوضوح، تاركة لنا تلك الخطوط الخارجية الضائعة. في لوحة «سرير»، هناك سرير ضخم ووسادتان بالأخضر الخفيف. في المنتصف، رسمت بقعة بيضاء، كتعبير عن حالة الغياب، بينما تلفها مستطيلات حبست أنصاف أجساد داخلها. يقترب حيوانان من بعضهما في الأسفل، قتل وضوح ملامحهما اللون الأسود. حالة الرعب المتمثلة بهذين الوحشين سترافق عدداً من لوحات السامرائي. حتى أن تلك الحيوانية تنتقل إلى كائنات غرائبية من دون ملامح، ترتمي أمام البحر. لا بوصلة هنا. تحبو فتاة لوحتي «زحف ليلي» (1 و2) على أطرافها الأربعة على الشاطئ بتفاصيل مغبشة كما اللقطات الفوتوغرافية البعيدة. في لوحة «رواق»، تتشرب الأجساد لون المكان الرمادي المريب، هنا طرفا قدمين يظهران من زاوية اللوحة، بينما يختفي جسد أنثوي عارٍ وراء أوراق الشجر الخضراء. في جدارية مستطيلة في آخر المعرض، طبعت السامرائي بالحبر شجراً تواجه واحدة الأخرى على ورق من القطع الصغير، كمرايا، تملأ فراغاتها أعضاء أنثوية وذكورية بالرصاص، وحيوانان أسودان يقتربان من بعضهما. هذه السردية البصرية المتنوعة المواد ـ اصطحبتها السامرائي من منزلها في باريس ـ تبدو مجرد ألبوم لاحتواء تكرارات لا مجدية لحياة بيضاء.

"مد": حتى 27 شباط (فبراير) ــ غاليري "مرفأ" (مرفأ بيروت). للاستعلام: 01/571636