مما لا شك فيه أن جو معلوف أحرز تطوّراً حميداً، منذ انتقاله من «أنت حرّ» عند آل المرّ، إلى «حكي جالس» على lbci. لقد خفّ «التلوّث الذوقي»، وتراجعت «خَصلة» التلاعب بالحريّة الشخصيّة تحت شعار «الأخلاق» أو«المصلحة العامة»، لكنّ الدرب ما زالت طويلة أمام المقدّم الشاب اللطيف، إذا شاء أن ينتقل من «البصبصة» على مشاكل الناس وأسرارهم، إلى النقد الواعي للعيوب، من الشعبويّة والتهويل إلى كشف المسكوت عنه دفاعاً عن قيم «المجتمع المدني».
حاليّاً البرنامج خليط من نيّات طيّبة، وكيتش شعبوي، وميلودراما هندية، ووعظ «أبو ملحمي»، واستجداء للانفعالات، واستعراض للبؤس والعاهات الاجتماعية. الحالات التي يسلّط عليها الضوء برنامج «حكي جالس» تتفاوت في نوعيتها وأبعادها ووقعها الاجتماعي، بين «البحش» في قمامة البؤس الانساني لاستدرار الشفقة، مثل حالة إيلي المجروح نفسيّاً والمحطّم عائليّاً واجتماعيّاً حتى البدانة المفرطة، وبين «خوض المعارك» النسويّة (المحافظ المتهم بالتحرّش)، والمطلبيّة كرفض قانون العنف الأسري الكرتوني، الذي صوّت عليها نوّابنا الأشاوس. في الملف الأخير لم يجد جو ما يفعله سوى الاستنجاد بـ… نزيل بعبدا، لاعانته على استدراك الأمور (ديمقراطيّة live، أم بحث عن صورة الأب؟). في مأساة إيلي الذي صوّرته الكاميرا مسخاً، استنجد هاتفيّاً بطبيب وعد أن يعالج الولد المسكين، الذي انهمرت دموعه من الاذلال التلفزيوني، فكفكفها السامريّ الطيّب، لكن ما يبقى في أذهاننا هو سؤال جو «الزافيني» لأم الصبي: «مدام جميلة قديش جرحك انو ابنك يضربك بالسكّينة؟».
تحوّلت الفقرة إلى حفلة اساءة لحزب الله، وزُجّ الموضوع في اطار مذهبي ضيّق
تبقى فقرة شربل خليل هي الأكثر إشكاليّة في حلقة الثلاثاء، إذ تسلّط الضوء على الخطورة السياسيّة لهذا الأسلوب الفضائحي. الحدث تهديدات مكثّفة يقول شربل إنّه تعرّض لها، بعدما جرى تشويه اسكتش قديم له على احد المواقع، وتوظيفه ضدّ حزب الله. كان يفترض أن يذهب النقاش الى حريّة التعبير، أن يعري الفكر الالغائي الذي يرفض الاختلاف. أن يسلّط الضوء على الموقع المشبوه الذي خدع زوّاره: ما يديره ولماذا يعتمد التزوير والتضليل؟ أن يخلق حالة من التضامن لتحصين الاعلامي المهدد وأقرانه. بدلاً من ذلك، تحوّلت الفقرة إلى حفلة اساءة إلى حزب الله، وزُجّ الموضوع في اطار مذهبي ضيّق، «بفضل» أسلوب التعمية والتهويل. للأسف، وقع شربل خليل في الفخ، بين خشيته من أن «يتبهدل عَ المطار مثل مي شدياق»، وربطه الحادثة المعزولة بردّ فعل مؤسف على أحد اسكتشاته المنتقدة لحسن نصر الله في ظروف سياسية دقيقة العام… ٢٠٠٦! وبلغت المهزلة ذروتها مع فيديو التهديد الموجّه إلى شربل. فما قُدّم كوثيقة، ليس الا مسخرة غير منطقيّة تشبه تهريجات شربل خليل. هكذا أغرقت الشعبويّة موضوعاً حساساً، هو رفض العنف والدفاع عن حرية النقد والابداع، فلم يبقَ الا مساهمة هستيريّة في مشروع أبلسة حزب الله.