لم تكن حادثة مقتل جورج فلويد في الخامس والعشرين من أيار (مايو) الفائت، إلا مناسبة مأساوية أخرى، لاستعادة نقاش حول كيفية التعامل مع إرث فني طويل من تمثيل أبناء البشرة السوداء في السينما والإنتاجات الفنية والغاليريهات والمعارض. نقاش أثير مراراً، وولّد اعتراضاً واستنكاراً خلال حقبات وتحوّلات أساسية من التاريخ الأسود في أميركا، آخرها كان مع ظهور حركة Black Lives Matter قبل سنوات. يمكننا القول إن الحركة احتلّت المشهد طوال الأشهر السبعة الماضية، في كلّ العالم. رأينا رموزاً وتماثيل تتحطّم في العواصم الأوروبية والولايات الأميركية وبعض المدن الأفريقيّة، واحتلّت الجداريات الفنية السياسية الشوارع. وضمن توجّه الصحوة العرقيّة المستجدّة، استحدثت «نتفليكس» مثلاً قسماً مخصّصاً للإنتاجات السينمائية والتلفزيونية التي تتناول قضايا العنصرية. كما سارعت بعض المنصّات الإلكترونية إلى توقيف بثّ بعض الأفلام التي تتبنّى وتكرّس النظرة العنصرية النمطيّة، مثل منصّة HBO التي أزالت فيلم «ذهب مع الريح» قبل أن تعيده مجدّداً مع مقدّمة نقديّة. خطوة ولّدت أكثر النقاشات جديّة حول هذا الموضوع، خصوصاً أن الفيلم يختصر، بشفافية، إرثاً طويلاً من العنصرية الممنهجة الممارسة على السود في أميركا. في محاولتها للردّ على هذه الإشكاليات، ولتفعيل النضال فنيّاً، قامت حركة «حياة السود مهمّة» ببعض الأعمال الفنية حول العالم، وكانت سبّاقة في دعواتها الجذرية إلى إعادة النظر بتوجّه أساليب وأطر العرض في الغاليريهات والصروح الفنية، التي كرّست أيضاً هذا الفصل العنصري بطريقتها. ونظراً إلى التأثير طوال العام، احتلّت الحركة بفنانيها المرتبة الأولى في قائمة القوّة (power list) السنوية الخاصة بعالم الفن والثقافة المعاصرين والصادرة عن مجلة ArtReview، التي أعلنت بأنّ تأثير Black Lives Matter هذا العام هو أحد التغيير على كل المستويات في عالم الفن حول العالم.
#مي_تو
واصلت كرة قضايا التحرّش تدحرجها في عام 2020. فقد حُكم على المنتج الهوليوودي السابق هارفي واينستين (الصورة) بالسجن لمدّة 23 عاماً بعد إدانته بالاعتداء الجنسي والاغتصاب في قضية اعتُبرت انتصاراً لحركة «مي تو» (#أنا_أيضاً) التي شجّعت النساء على فضح تحرّشات ذوي النفوذ. وفي تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وجّه القضاء في لوس أنجليس اتهامات جديدة إلى واينستين باغتصاب امرأتين.
شبح التحرّش بقي يلاحق التينور الإسباني بلاسيدو دومينغو الذي ألغى مشاركته في عدد من العروض الأوبرالية. جاء ذلك بعدما اعتذر دومينغو لنساء اتهمنه بسوء السلوك الجنسي بعدما خلص تحقيق أجرته نقابة الفنانين الموسيقيين الأميركيين إلى أنّه تصرّف بشكل «غير لائق» مع مؤدّيات.
وفي بداية السنة، صدر في فرنسا كتاب بعنوان Le Consentement (الموافقة ــ دار «غراسيه»)، تتحدّث فيه فانيسا سبرينغورا عن سلوك الكاتب الفرنسي الشهير غبريال ماتزنيف تجاهها، وكيف تحرّش بها جنسياً قبل 33 عاماً يوم كان عمرها لا يتجاوز الـ 14.
بعد ستة أشهر من امتناع المخرج الفرنسي ــ البولندي رومان بولانسكي عن حضور احتفال توزيع جوائز «سيزار» الفرنسية في باريس، رفضت قاضية في لوس أنجليس الشكوى التي رفعها المخرج الفرنسي بشأن طرده من «أكاديمية فنون وعلوم السينما» المانحة لجوائز أوسكار. تُعدّ النكسة القضائية خطوة إضافية في نأي هوليوود بنفسها عن المخرج الذي فرّ من الولايات المتحدة قبل أربعة عقود بعدما اتُّهم بممارسة الجنس مع قاصر.
من ناحيته، تقدّم الممثل الأميركي بيل كوسبي الذي يمضي عقوبة بالحبس لمدّة ثلاث سنوات ونصف سنة، في الصيف الماضي، باستئناف جديد لحكم الإدانة الصادر بحقه في قضية الاعتداء الجنسي على امرأة قبل 16 عاماً.
كما قرّرت دار «هاشيت» عدم نشر السيرة الذاتية للمخرج الأميركي وودي ألن، الذي تتهمه ابنته بالتبني ديلان فارو، بالاعتداء عليها جنسياً، حين كانت في السابعة من العمر، الأمر الذي ينفيه دائماً. واتخذت المجموعة الفرنسية هذا القرار بعدما تظاهر العشرات من موظفي فرعها في الولايات المتحدة «غراند سنترال بابليشينغ» في نيويورك، اعتراضاً على النشر.
في غضون ذلك، رفعت ولاية كاليفورنيا دعوى قضائية ضد «ديزني» و«سي بي إس» بتهمة التستّر على تحرّش جنسي لمدّة 14 عاماً طاول أفراد طاقم شاركوا في مسلسل Criminal Minds. زعمت الجهة المدعية بأنّ غريغوري سانت جونز أساء استخدام منصبه كمصوّر سينمائي لتلمّس أفراد من طاقم العمل بشكل متكرر، والانتقام ممن رفضوا محاولاته.
على صعيد الأفلام، تخلّت «ديزني» عن شخصية «لي شانغ» في نسخة الـ live-action من فيلمها الشهير «مولان» (إخراج نيكي كارو) بعدما شعر القائمون على العمل بـ «عدم الارتياح» تجاه مساره في الحبكة، في ضوء حركة «مي تو».
وأظهرت وثائق قضائية أنّ المغني الأميركي آر. كيلي يواجه اتهاماً جديداً بالاعتداء الجنسي في مدينة شيكاغو، فيما يخضع للمحاكمة في ثلاث ولايات بتهم الاعتداء الجنسي واستغلال الأطفال في المواد الإباحية والخطف وعرقلة العدالة.
بدوره، واجه الممثل الأميركي كوبا غودينغ جونيور شكوى رُفعت أمام القضاء المدني باغتصاب امرأة في عام 2013 بعدما اتهمته ثلاث أخريات سابقاً بملامسات غير مرغوب بها.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا