«غرندايزر» هو العنوان الأكثر جاذبيةً للكبير قبل الصغير في العالم العربي منذ ثمانينيات القرن الماضي الى يومنا هذا. اسم له وقع وحضور لا يختلف عليهما أحد. أغرمت به الفتيات كما الفتية. الميلودي الموسيقية التصويرية الخاصة به فيها شيء من السمفونية. مطلع الأغنية، محفور في وجدان الجميع. الكلمات مكتوبة بعناية للتحدي والفتك بالأعداء، ومكافحة الظلم، ومواجهة الطمع. لا نبالغ إن قلنا إنّ تتر البداية والنهاية أشهر من أغاني العديد من الفنانين والفنانات. تلك الآلة الضخمة اليابانية ألتي ابتدع فكرتها الكاتب Go Nagai، من خلال شركة Manga اليابانية للرسوم المتحركة في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، فرضت حضوراً لا يُقارن بأي رسوم متحركة في لبنان تحديداً والمنطقة العربية عموماً، بالرغم من عدم حضورها في الكثير من البلدان عالمياً. قورن تأثير شهرة قوس «غرندايزر» المذهّب بقوس المطعم الأشهر أميركياً «ماكدونالد». يبدو أن كاتب السلسلة عمل على تطوير النسخة القديمة لتناسب تقنيات القرن الجديد. تم وضع إعلان من دقيقتين على اليوتيوب باللغة اليابانية، فأحدث ضجة غير مسبوقة بين محبي تلك الآلة المقاومة للاحتلال. تغير الشكل قليلاً، لكن بقيت الألوان نفسها: الصورة والتقنيات تبدو جلية في النسخة الجديدة من حيث سرعة حركة الصورة وجمالية الرسم والدقة. إذ أن الفارق الزمني يتجاوز الخمسة والأربعين عاماً على نشأة النسخة الأولى. لكن يمكن التكهن بأن ردة فعل المشاهد العربي ستتأخر الى حين سماع الدبلجة بأصوات عربية.طبعاً، لا يعلم Go Nagai سبب ذاك العشق أو أقله لا يصرح. هو مقتنع أن لـ«غرندايزر» حضوراً في هذه المنطقة لم يفهمه، وقد عبّر عن ذلك في معظم مقابلاته. قد يعود ذلك إلى الدبلجة من خلال أصوات سيطرت على الساحة في حينها، والموسيقى، إضافة إلى كلمات الأغنية، وكاريزما تلك الآلة. في قصته، «غرندايزر» هو سلاح متطور صُنع لمواجهة العدوان والغزو. صودف أن «دوق فليد» (اسمه المدني دايسكي وهو من يقود «غرندايزر» والصراع ضد قوات الاحتلال) حطّ على الأرض وأخذ على عاتقه مواجهة قوات «فيجا» كي يمنعها من احتلال الأرض. طوال حلقات السلسلة الأربع والسبعين، سعت قوات «فيجا» العدوانية الى «طلب وحيد» من «دوق فليد» بتسليم «غرندايزر» كسلاح نوعي على أن تتركه ليعيش بسلام. وهو ما رفضه منذ الحلقة الأولى، وكان يكرر لازمة مفادها أنّ تسليم «غرندايزر» يعني انتهاء حالة المقاومة وصدّ العدوان. حاولت قوات العدوان فعل المستحيل، عبر التدمير وقتل المدنيين، إلا أنها اصطدمت بتلك الآلة التي عمل مركز البحوث على تطويرها رويداً رويداً، من خلال منطق سباق التسلح. لوجستياً، سهّلت لـ«غرندايزر» عملية الخروج من مخبئه عبر إحداث أنفاق وطرق منوعة يستخدمها عند الحاجة. من حيث السلاح، صُمِّم منذ البداية قادراً على الطيران لمواجهة أسلحة الجو للعدو، ثم جُهِّز بآلة تساعده على الغوص في الماء لمواجة العدوان القادم من البحر. لا يمكن نكران الدور الذي قام به «دوق فليد» أو «دايسكي»، فإرادة القتال لم تخفت في تلك السلسلة، حيث واجه الـ«دوق» ــ كما هي التسمية في السلسلة ــ الخطف، والتدمير، والأسلحة الأكثر تطوراً. إلا أنه قاتل بروحه، مستخدماً الآلة، وقبلها الإرادة. عرضت «قوات فيجا» في إحدى الحلقات قاعدة «السلاح من أجل السلام» عبر ترغيب «دوق فليد» بتسليم السلاح على أن يعمّ السلام، فخضع. عند تسليمه السلاح، انقلبوا عليه، فواجههم، وانتصر مجدداً. في إحدى الحلقات، هُدِّدت مدينة طوكيو بقنبلة – قد يعود بنا الزمن هنا إلى الحرب العالمية الثانية – لكنه واجه وانتصر رغم خوفه على المدنيين كنقطة ضعفه الوحيدة التي استغلها عدوه طوال حلقات السلسلة. محاولات شيطنة غرندايزر كانت عنوان إحدى الحلقات، حين استنسخت «فيجا» النموذج نفسه، وأطلقت عنانه لتدمير المنشآت المدنية وقتل المدنيين المسالمين، ظناً منها أن ذلك سيجعل العامة تنفر منه وتنبذه.
في أوروبا، اشتهر «غرندايزر» في فرنسا دون سواها، ولكن باسم آخر وهو «غولدوراك». قد يكون احتلال فرنسا من قبل ألمانيا النازية في خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وما عانته فرنسا في تلك الحقبة، سبباً مباشراً لتلك الشهرة. لا جدال في أنّ «غرندايزر» هو بطل الرسوم المتحركة الأكثر شبهاً بصراع المنطقة. لا يمكن للمشاهد العاقل أن يصطف مع جنود «فيجا»، أو أن يقف على الحياد، فمتى عرفتَ الحق، ستعرف أن «دوق فليد» صاحبه.
صحيح أنّ «دوق فليد» ليس من سكان الأرض، ولا يُعتبر ممثلاً للسلطة الفعلية في صدّ العدوان، كما أن أحداً لم يمنحه شرعية الدفاع عن الأرض، لكن فطرته السليمة وتواجده على أرض تتعرض للغزو، ووجود آلة كـ «غرندايزر» بحوزته، جعلته يقوم بما يقوم به الإنسان العاقل، والحرّ، في الدفاع عن العاجزين. طبعاً يوجد في السلسلة كل شيء: العميل، المتخاذل، البسيط، الأكاديمي، الضعيف النفس، المقاتل إلى جانب الحق، الداعم... ببساطة إنّ منطق هذه السلسلة يتناسب مع حالة الظلم التي تعيشها شعوب المنطقة، حيث يحتاج الأطفال إلى بريق الأمل كـ «غرندايزر».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا