أزيح في 12 كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي الستار، عبر منصة البث التدفّقي «شاهد VIP»، عن مسلسل جديد مؤلّف من عشر حلقات. تتقاسم اللبنانية دانييلا رحمة بطولة DNA مع السوري معتصم النهار، إلى جانب اللبنانيين: عمّار شلق، ساشا دحدوح، نقولا دانيال، وسام سعد، إليسار حاموش، وليام رموز، رولاند فارس وآخرين.المسلسل القصير الذي تنتجه شركة «إيغل فيلمز»، يجمع عناصر عدّة قد تفتح الشهية على مشاهدته، وعلى رأسها أنّ قصّته «مستوحاة من أحداث حقيقية»، كما أنّه يحمل توقيع اسمَيْن سوريَّيْن بارزَيْن: السيناريست ريم حنا، والمخرج المثنى صبح. فللثنائي أرشيف يشهد على حرفيّتهما في عالم صناعة الدراما. من الحلقات الأولى، تظهر في DNA مشاكل على أصعدة مختلفة، أكثرها وضوحاً في القصة الأساسية والحبكة. في إطار يراد له أن يكون غامضاً ومشوّقاً، يتعرّض البطل (معتصم النهار) لمحاولة اغتيال من جهات مجهولة. وحين يستعيد وعيه في المستشفى بعدما اخترقت جسده ثلاث رصاصات قبل سنة وثلاثة أشهر، يصرّ على الامتناع عن تقديم أيّ معلومات عمّا جرى أو عن نفسه للمحقّق «وليد» (عمّار شلق)، المهووس بالساعات وبكشف الحقائق وحلّ الألغاز. بهدف الضغط عليه، يقرّر المحقق حبسه في مكتبه الخاص لمراقبته عبر الكاميرات المزروعة فيه. فما يكون من الشاب إلا أن يدخل المكتب المجاور ويخترق جهاز الكمبيوتر التابع للشرطة القضائية! علماً بأنّ هذه الأخيرة تشمل صلاحياتها جميع الأراضي اللبنانية، وتضمّ قطعات الضابطة العلمية والضابطة السياحية، وقطعات مكافحة الجرائم والبحث والاستقصاء عنها.
هكذا، بلمح البصر نجح البطل في مهمّته واختار الدخول إلى ملف المفقودين الموجود ضمن ملفات الجرائم المنوّعة المتوافرة بكل بساطة على الـ desktop (سطح المكتب)، قبل أن يختار الغوص في قضية «كريم الحفّار»؛ المراهق ابن العائلة الثرية الذي اختفى في ظروف غامضة قبل 14 عاماً. هنا، تجدر الإشارة إلى خطأ إخراجي من بين أخطاء كثيرة مماثلة ارتكبها المخرج، يتمثّل بأنّ تاريخ الملفات الظاهرة على الشاشة يعود إلى عام 2020 في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون الأحداث تجري سنة 2018.
ينفد صبر المحقّق ويقرّر الضغط على الرجل الوصولي والانتهازي والنصّاب، فيختار أسلوباً «راقياً» جداً شبيهاً بأكثر الدول تقدّماً في مجال حقوق الإنسان. حين يغفو البطل الذي لم نعرف اسمه بعد وغير الراغب في تسريب صوره إلى الإعلام، يباغته «وليد» بهجوم بفلاش الكاميرا! عندها، يستسلم ويكشف عن هويته: كريم الحفّار. ويشاء القدر أن يكون هذا الاسم قد شغل المحقّق قبل 14 عاماً حين تولّى القضية ولم يصل فيها إلى نتيجة.
تفكّك ومصادفات ساذجة يبعثان على السخرية أحياناً


بعيداً عن المصادفات الساذجة والمضكحة أحياناً، يزداد مسار الحكاية تفكّكاً وضعفاً حين يعود المحقّق الذي يجسّده عمّار شلق بمهارته المعهودة للتعامل مع العائلة التي يبدو أنّه يشكّ في تورّطها في اختفاء ابنها لكن من دون دليل.
مع مرور الوقت، تتبادر إلى ذهن المشاهد أسئلة عدّة، على رأسها: لماذا قبلت العائلة بـ «كريم» وتصرّ على رفض إجراء فحص الحمض النووي (dna)؟ لماذا يتحدّث البطل اللهجة السورية (نكتشف لاحقاً أنّه محتال يمتهن انتحال الصفات، لكن، لا يبقى مبرّر دراميّ لهذه النقطة)؟ قد تحمل الحلقات المقبلة أجوبة مُقنعة وواضحة لما يجري، لكنّها لا تفعل. في غضون ذلك، تبرز شخصية «آية» (دانييلا رحمة)، شقيقة «كريم» المتعافية حديثاً من إدمان المخدّرات والكحول. هي شابة محبّة للحياة وعاشقة للحرية، غير أنّ الظروف التي مرّت بها في الماضي تؤدي إلى اختلال توازنها النفسي. يفترض أن تتّسم هذه الشخصية بالذكاء والدهاء والحنكة، ليبدو أسلوبها في التعامل مع التطوّرات محيّراً بالنسبة إلى المتابع، ولا سيّما حين تنشأ علاقة الحب الغريبة بينها وبين شقيقها المُفترَض الذي يظهر لاحقاً كمذنب وضحية في الوقت عينه، تمهيداً للنهاية التي لم تكن لا مفاجئة ولا مُحكمة بالقدر الذي تمنّاه صنّاع العمل.
لسنا في صدد الغوص في الأخطاء الإخراجية التي لم تكن متوقّعة أبداً من مخرج بحجم المثنى صبح، ولا عن مقرّات التحقيق الجذّابة والزنزانات الأنيقة، ولا عن إمكانية صرف مَن يخضع للاستجواب كمشتبه فيه أو كشاهد لمجرّد أنّه تعب أو يشعر بالملل! لكن لا بد من المرور على إدارة الممثلين المتواضعة، إذ جاء الأداء باهتاً وأقلّ من المُنتظر (باستثناء عمّار شلق)، ناهيك بضعف الـ «كاستينغ». لم يقدّم معتصم النهار أيّ جديد، في وقت يبدو أنّه يحرص في الآونة الأخيرة على الوجود على الساحة الدرامية أكثر من اختيار أدواره والاشتغال عليها. من ناحيتها، كانت دانييلا رحمة مختلفة تماماً عن تلك الممثلة التي أثبتت تقدّماً وتحوّلاً نوعياً في رمضان 2020 من خلال شخصية «مايا» في مسلسل «أولاد آدم» (تأليف رامي كوسا، إخراج الليث حجو). وبالمناسبة، لمَ تتحدّث ابنة العائلة النافذة والثرية الإنكليزية بكثرة وبلهجة أسترالية نافرة؟ ألم تكن الممثلة البالغة 30 عاماً تتباهى قبل فترة وجيزة بأنّها بدأت تتخلّص من لكنتها مع تحسّن عربيّتها بفعل مجهودها الكبير؟
قد يكون تواضع الموازنة قد انعكس تواضعاً في السوية الدرامية لـ DNA، أو ربّما هي العَجَلة، أو أنّ الأعمال القصيرة والمكثّفة لا تزال طارئة على الدراما العربية. لكن أيّاً كان السبب، نحن أمام مسلسل مخيِّب للآمال، بلا طعم ولا لون ولا رائحة.