هي جمانة حدّاد (1970) «صوت الذين لا صوت لهم» بحسب وصف جريدة الـ «غارديان» لها. إنّها الكاتبة والشاعرة والمترجمة والناشرة التي «قتلت شهرزاد». وهي «كاتبة مزعجة بحق»، كما وصفتها مجلة الـ «اكسبريس» الفرنسية. مزعجة إلى درجة تصرخ في والدتها «بلا هوادة كلما حاولت أن تحشر الطعام في فمي بينما كنت منكبة على حاسوبي» (أثناء إنجاز «سوبرمان عربي»). وهي الجريئة إلى حد الاعتراف بوقوعها في حب رجل لأنه كان يشعرها بالراحة «ثم توقفتُ عن حبه لأنه كان يشعرني براحة زائدة». صاحبة أفكار لافتة ومتوقدة مثلها.
تهوى اقتحام المختلف والمغاير؛ وتحديداً موضوع الجسد والجنس كمهنة أبدية في حياتها. كتابها الجديد «سوبرمان عربي» (دار الساقي) يأتي استكمالاً لمشروعها.
لكن يبدو أنّ Superman is an Arab قد وصل متأخراً إلى لغة الضاد (ترجمة نور الأسعد)، بعدما انطلق بلغته الانكليزية لتتم ترجمته إلى الفرنسية والايطالية والاسبانية وحتى الكرواتية ويصل إلينا في النهاية بمقدمة خاصة كتبتها صاحبة «لم أرتكب ما يكفي». لا نعرف إن كانت حداد قد كتبت مقدمة لكل طبعة صدرت بتلك اللغات، لكن المؤكد أنها فعلت ذلك للطبعة العربية وبعنوان كُتب على غلاف الإصدار هو «لماذا أنا ملحدة»، كأنها تحاول الإجابة على سؤال يطاردها به الجمهور، وعليه أرادت تطمينه بوضعها النقاط على حروف إلحادها.
لا يكفي الغضب وحده.
فلتكن إذاً زيادة نسبة السيكس!

لكن هنا ملاحظة: عنوان الكتاب «سوبرمان عربي» (ينافي ما أعلنته حدّاد عندما أكدت أنه كتاب ضد الرجال). موضوع الاصدار الرئيس هو طرح مرض الذكورة العربية على طاولة تشريح. وعليه، كان من الأولى كتابته بالعربية، ثمّ فليترجم إلى اللغة التي يراد له. الرجل العربي هو المريض الواهم بذكوريته وهو الأحق بأن يقرأ تفاصيل مرضه أولاً، فما شأن الذكر الانكليزي أو الفرنسي أو الايطالي؟ هل يهدف الكتاب إلى وضع خريطة طريق تسعى لتفكيك تلك الأمراض الذكورية العربية وأوهامها وسوبرمانيتها أم يسعى إلى الفضيحة أم أنّ العملية لا تغدو كونها عملية استشراقية مضادة؟
وبالعودة إلى «سوبرمان عربي»، نجد موضوع الجنس مجدداً. النشيد الشخصي لجمانة حداد وجواز سفرها في جغرافيا الكتابة. إعادة تشكيل «اعترافات امرأة عربية غاضبة». ربما ارتفعت نسبة الغضب في «سوبرمان»، لكنها الاعترافات ذاتها. اعترافات كأنها موضوعة بداخل خزانة سرية. وكلما أرادت «النمرة المخبؤة عند مسقط الفكّين» الكتابة مجدداً عن السيكس، أدخلت يدها إلى تلك الخزانة وأخرجت بعضاً من تلك الاعترافات لتعيد تقليبها وانتاجها. لكن يبدو أن منسوب الغضب أعلى هذه المرة. كأن الغضب وحده سيؤدي الغرض من دون دفع اقتراحات لمناقشة الأسباب الموضوعية التي أسهمت في انتاج ذلك الغضب. غضب لمجرد الغضب بما يكفي لمخاطبة قارئ غربي: انظر إليّ كم أنا غضبانة ومنتهكة في هذا الظلام العربي.
مع ذلك، لا يكفي الغضب وحده. فلتكن إذاً زيادة نسبة السيكس أكثر من «هكذا قتلت شهرزاد»، فليكن «القضيب: ارشادات الاستعمال». موضوع يفرضه حال الذكر العربي المريض المحتاج لمن يمد إليه يد المساعدة وبضع وصايا ودليل استخدام لن تبخل صاحبة «عادات سيئة» عن تقديمها له، مع حرصها على التوضيح: «لست معالجة جنسية. ليس في مقدوري أن أُشفي العجز الجنسي أو القذف المبكر. كما لا أدعي (...) أنّ الارشادات التي أقدمها لك ها هنا فعّالة مع النساء جميعهن. العلاقة الجنسية أشبه بحقل ألغام». وتضيف: «تأن في خطواتك. السرعة تقتل العطش، كما إنّ الفارق كبير بين ذوّاقة وآكل شره. تسلّلْ بدلاً من أن تجتاح».
ما تفعله حداد جيد وتُشكر عليه. نعم، هي كتابة واضحة وفاضحة لشكل حياتنا، لكن، ماذا بعد؟ إلى أين تمضي هذه الكتابة؟ وما الذي ستأتي به لنا من دواء لمرضنا الذكوري؟ لا يكفي أن تقول: أنا جريئة وأكتب في الممنوع كاسرة التابو العتيد بغضب. الكتابة عن الجنس مطلوبة وأمر جيد. لكن التكرار والاكتفاء بالقشرة البرّانية من دون حفر وطرح جديد يفكّك اشكاليات هذا الموضوع الشائك عربياً، وطرحه بشكل عميق متصاعد في كل كتابة، ستؤدي إلى ابتذال الفكرة من أساسها. ستتحول العملية إلى اشتغال استهلاكي عقيم وسطحي ومكرور. أيّ كتابة عن الجنس، خصوصاً في مجتمعات عربية مكبوتة، إن لم تحمل بداخلها قيمة ووعياً بقيمتها، إنما تكون مجرد لعب على هذا الكبت وتكريس له بل قل استغلالاً! نتذكر هنا الشابة المصرية علياء المهدي التي قررت مواجهة المجتمع، فنشرت صورها عارية على الشبكة، وفُتحت نقاشات حول الجسد والحرية والتعبير في الغرب وهنا حول ظاهرة «فيمن» الشهيرة. يومها، كتبت صاحبة «سوبرمان عربي» أنّها تعارض فكرة استخدام المرأة لجسدها كـ «طُعم» ولو «كان الهدف الدعوة إلى الحرية والديمقراطية». والغريب أنّ حداد تفعل الشيء نفسه لكن في الكتابة ولأهداف ملتبسة. نتذكر هنا ممثلة البورنو الفرنسية رافايلا اندرسون. بعدما أنجزت فيلمها الأشهر «ضاجعني» عام 2000، أعلنت اعتزالها وكتبت سيرة قصيرة في كتاب Hard، قالت فيه: لقد مللت!