الانطباع الأول الذي تبثه لوحات زينة عاصي (1974) أنها مؤسلبة، وأنها حصيلة انضباط أسلوبي واضح. أنجزت الرسامة اللبنانية تشخيصات ومشهديات مدينية ومزهريات، وعرضت مجسمات نحتية وتجهيزات، لكن كل هذه الممارسات تبدو مثل إنشاءات خاضعة لمخطط أو حساسية أسلوبية صارت نوعاً من فن شخصي أو نبرة ذاتية تشبه ما يُقال عن نبرات الكتّاب والشعراء. نبرة مشغولة بإبراز الحالة المزاجية الداخلية لأشخاص اللوحات، أو اللعب على أشكال العمارة البيروتية المكتظة والشاهقة، أو نقل هذه الطموحات إلى مزهريات مرسومة بالمزاج نفسه.
ثنائية الفرد والمدينة تعود في معرضها الحالي framing my city الذي تحتضنه «غاليري ألوان»، وتعود معها رغبة الرسامة في رصد التغيرات في جسم العاصمة التي قاربتها مراراً على شكل أبنية متلاصقة ومزخرفة بإشارات ولافتات وإعلانات. إنها المدينة الخارجة من حروب وتفجيرات والموعودة بتكرار ذلك إلى ما لا نهاية. المدينة الشبيهة بمتاهة من البشر وازدحام المرور والعمارة العشوائية ذات الادعاءات المعاصرة. الزخرفة المينيمالية المدهشة في إنجاز المشهديات المدينية تنتقل بالأسلوب نفسه إلى أفراد وشخوص اللوحات الأخرى، حيث تتكرر ثلاثية الشخوص الجالسين أو الواقفين، ومنها ثلاثية موجّهة كتحية إلى ثلاثة من معلميها: شفيق عبود وهلين الخال وفريد عواد. الزخرفة ليست تنميقاً أو مجانيّة شكلانية في خلفية اللوحة أو أجزاء منها. إنها ممارسة كاملة قادرة على اختزال تجربة الفنانة كلها.

تأثيرات من غوستاف كليمت وإيغون شيلي
الزخرفة هي جزء جوهري في عملية الرسم، ولذلك فهي تنتقل بسهولة من أدائها المديني لتملأ فساتين وثياب الشخوص، وتصنع أشكالاً هندسية صالحة لتكوين طبقات ومجسمات شاهقة تحاكي ناطحات السحاب. نتأمل كل ذلك، قبل أن تردنا العناية الفائقة القريبة من المزاج العِيَادي إلى تأثيرات من غوستاف كليمت، ولكن الشغف الذي فيها حيادي ومجفف، ويخدم أفكاراً مختلفة على صلة بالفضاء المديني أو سيكولوجيا الشخصيات القلقة في اللوحات. الشخصيات تستدعي تأثيرات واضحة من إيغون شيلي الذي عليه أن يحضر متخففاً من شبقيته العاطفية والجنسية، وأن يكتفي بالإقامة في طريقة رسم الأجساد وحركتها ووضعياتها، بينما يبدو ذلك أوضح في الأصابع الطويلة ذات البراجم الناتئة.



framing my city: حتى مساء اليوم ــ «غاليري ألوان» (الصيفي). للاستعلام: 01/975250


يمكنكم متابعة حسين بن حمزة عبر تويتر | @hbinhamza