افتتح شادي الزين في «مونو» عرض «كل جمعة عزيمة» التي قدمها قبل عامين في مناسبة «الجمعة العظيمة». ألّف الزين العرض وأخرجه، ولحّن الأغنيات بمساعدة سكارليت سعد التي ترافق العرض بعزف بيانو حيّ مع ممثلين بينهم السوبرانو شانيل يمّين في إطار تمثيلي غنائي ينشطر بين المأساة والملهاة.
عن سبب إعادة العرض اليوم، يقول الزين إنّ موضوع المسرحية آنيّ يصلح لكل الأزمان التي تصبغها الحروب. كما يوحي العنوان، فإن فكرته تنطلق من آلام المسيح وصلبه والعنف الذي لم يهدأ منذ ذلك الحين وما قبله. في عرض ديناميكي، يسائل الزين خيارات الإنسان بين مسارَي العنف واللاعنف عبر طرح شخصية اختلفت في وجهات النظر مع آخرين، ما أدّى إلى مجزرة دامية. بينما تتقاتل إحدى الشخصيات مع أشخاص حول إيمانهم بظهور مريم العذراء، تتطور الأحداث إلى مجازر داخل جدران الكنيسة الموجودين فيها. لعل أسباب المجزرة في الكنيسة تجسّد الازدواجية التي تؤدي إليها الأديان والإيديولوجيات، بحيث يفترض أنها وجِدت من أجل السلام، إلا أن البشر يصنعون منها حروباً ودماراً باستمرار.

في جو ثقيل من القتل وسرد مآسي الحروب عبر التاريخ في كنيسة مغلقة ومهددة، ينقلنا الزين فجأة من جو مشحون إلى آخر خفيف عبر أغنيات تسخر من خيارات الإنسان وعواقبها التدميرية. يكسر الزين الجدار الرابع ليخلع الممثلون شخصياتهم ويتوجّهون إلى الجمهور في الصالة من أجل مخاطبتهم عبر أغنيات تهكّمية ورقص و«تهييص». لعل هذه اللحظات هي من أقوى محطات العرض، لأن المضمون يكمن في هذا الانقلاب في النص، إذ يبرز الخيط الرفيع بين المزاح والجد، وبين القتل والسلم، بين الماضي والحاضر وبين هنا وهناك.

عرض ديناميكي يسائل خيارات الإنسان بين مسارَي العنف واللاعنف

يكسر الزين اللعبة الميلودرامية في لحظات مشوّقة، فيعود بنا إلى الخشبة بشكل تهكّمي خفيف. تتداخل الأحداث، وتنتهي اللعبة بمجزرة جماعية تطاول الشخصيات تتجاوز مفهومَي المكان والزمان. رغم سوداوية المأساة، يبعث المخرج إلى الخشبةَ أغراضاً مسرحية ترمز إلى الأمل والحياة. لعل أبرز المونولوجات وأقواها هو «امرأة الحروب» التي تؤديها ليال غانم ببراعة وترمز إلى الإنسان - الضحية في كل الحروب حين تختزل أسماء المجازر والضحايا في العالم عبر الأزمان. ويتناول المونولوج أيضاً فاجعة الأم التي فقدت ابنها في الحرب، ولا بد من عملية إسقاط هنا مع فاجعة مريم لحظة صلب المسيح، بما أنّ العرض يستقي أبعاده من هذا الآلام. انطلاقاً من ذلك، يطرح الزين إنسانية يسوع وأمه مريم اللذين يزوّدان الشخصيات بمخزون روحاني يرفع عذاباتها إلى مستوى قدسية آلام المسيح التي تتجدد في كل حرب.



«كل جمعة عزيمة»: 20:30 حتى يوم غد ــ «مسرح مونو» (الأشرفية) ـ للاستعلام: 01/202422