يُعدّ «لحم غزال» واحدةً من التجارب المصرية التي تقدّمها «شركة الصبّاح للإنتاج الفني». المسلسل ذو القصة المركبة هو من بطولة غادة عبدالرازق، شريف سلامة، وفاء عامر، عمرو عبدالجليل ومي سليم. كتبه إياد إبراهيم فيما أخرجه محمد أسامة. القصة تدور رحاها في الأسواق التي تبيع اللحوم كما يوحي إليها اسم المسلسل، والجو العام الذي يظهر منذ لحظات المسلسل الأولى. إنها حكايةٌ مركبة. الصبيتان الفقيرتان تدخلان السوق للبحث عن عمل «بسيط» هناك، ليكتشف المشاهد أن القصّة أكثر تعقيداً. نعرف بأن إحداهما غزال (غادة عبدالرازق) تبحث عن ابنها المفقود، ومستعدةٌ أن «تقتل» في سبيل أن يعود إليها. طبعاً في السوق حكايات خاصة به، من خلال العداوات الخاصة بين تجار اللحوم. فتاجر اللحوم الأكبر الحاج مأمون (أحمد خليل) وولده علي (شريف سلامة) لديهما عداوة مستمرة مع المعلمة قدرية (وفاء عامر) وزوجها صبحي قرن (عمرو عبدالجليل). هذه العداوة تأخذ أبعاداً كُبرى حينما يُقدم سيد جلالة (خالد كمان) أحد رجال صبحي قرن، على قتل المعلم مأمون في «خناقة» حاشدة في الشارع.
القصة في المسلسل كانت قد تعقّدت كثيراً قبل ذلك، حينما قتلت «غزال» (نعرف لاحقاً بأن اسمها الحقيقي هو عالية) تاجر مخدرات صغير اسمه أبو نعسة (حمدي الميرغني) بأن أحرقته بالخطأ بعدما أغرقت ثيابه بموادّ مشتعلة بهدف أن يعترف لها بمكان وجود ابنها. على الجانب الآخر، نجد شوق(مي سليم) في خضم علاقةٍ زوجية سيئة وظروفٍ شديدة التعقيد. إخراجياً سعى محمد أسامة أن يكون عمله مختلفاً: منذ اللحظة الأولى في المسلسل، نجد كاميرا مختلفة. كاميرا تتحرك أفقياً وعَمودياً حال الحاجة إليها، فمشهد السوق الافتتاحي في المسلسل هو من أجمل مشاهده ولقطاته. سعى أسامة لجعل مَشاهده ولقطاته سريعة. وهذا يدل على أنه يمتلك حرفة جميلة يمكن المراكمة عليها في أعمالٍ كُبرى.
من جهته، حاول إياد ابراهيم، تقديم قصةٍ متشابكة ومعقّدة في آنٍ. يمكن القول بأنه نجح في ذلك بشكلٍ جزئي، إذ إن بعض الشخصيات بدت مسطحة قليلاً، فشرّ «صبحي قرن» مثلاً لم يبد واضحاً. على الرغم من أنّه «شرير المسلسل الرئيسي»، إلا أنّ المشاهد لم يستطع فهم لماذا هو شرير أو إلى أي عمقٍ يمتد شره. وهذه طبعاً ليست مشكلة إياد ابراهيم وحده، إذ إن الدراما العربية حتى اللحظة تعاني عند تقديم شريرٍ حقيقي، ذي شخصيةٍ متكاملة. الأمر نفسه ينسحب على عمق شخصية «شوق» (مي سليم). اهتم الكاتب بالشخصية الرئيسية «غزال» كثيراً، ما جعله في لحظةٍ ما ينسى بقية الشخصيات الرئيسية. أدائياً، ليس هناك شك في أن غادة عبدالرازق تمتلك مهارةً من نوعٍ معين في تأدية هذا النوع من الشخصيات. أدّت العام الفائت شخصية مختلفة في مسلسل «سلطانة المعز»، لكن «شخصيتها» في هذا العمل بقيت متأثرة بتلك الشخصية، فكان لديها «جوّها» وإن اختلفت الشخصية. يعاب على غادة أنّها رغم أنّها تمثّل في المسلسل شخصية «بائعة فقيرة»، أصرت على وضع مكياج قوي وسرّحت شعرها بشكلٍ محترف في وقتٍ كان يجب عليها أن تراعي وضع الشخصية، ولو كانت شخصيتها «عالية» من بيئة غنية، فهي هنا تتخفّى في ثياب بائعة فقيرة. شريف سلامة بدوره ممثل قدير، يمتلك قدرةً عالية على تجسيد أدواره، لكن الدور هنا لم يضف إليه الكثير، لكن ذلك لا يعني أبداً أنه قصّر في أدائه. عمرو عبد الجليل ممثل قادرٌ على تلوين نفسه بشكلٍ كبير، فشخصيته في مسلسل «ملوك الجدعنة» هذا العام وكشرير أيضاً نجدها تختلف عن شخصيته كشرير في هذا المسلسل. خالد كمال أحد أهم ممثلي جيله، وهو مظلومٌ كثيراً، فالممثل المصري يستطيع التأدية بحرفةٍ عالية، لكنه يوضع في شخصيات صغيرة نسبياً. كمال شأنه شأن محمد حداقي الممثل السوري يستطيع القيام ببطولة أعمالٍ درامية، بسهولة، وسلاسة.
إنتاجياً، الموضوع حكايةٌ أخرى تماماً. خلف هذا المسلسل «قطبةٌ خَفيّة»، لا يمكن للمشاهد أن يتنبه إليها أبداً: هذا المسلسل صُوّر -بقده وقديده- ومن ألفه إلى يائه خارج مصر. لقد صُوّر «لحم غزال» في لبنان بشكلٍ كامل؛ لأسبابٍ خارجةٍ -بالتأكيد- عن إرادة أو رغبة صنّاع العمل. فالمنتج صادق الصبّاح مُنع من دخول مصر من دون أن يُفْصَحَ عن السبب. لذا، أنشأ «شبه مدينةٍ» مصرية بالكامل، وأحضر مئات الممثلين، والفنيين، والتقنيين المصريين كي يستطيع تقديم عملٍ لا يشك المشاهد للحظةٍ واحدة في أن تصويره تمّ كاملاً في مصر. وهذا أمرٌ يحسب للمنتج اللبناني كثيراً.
باختصار، هو عملٌ فيه جهدٌ كبير، في الكواليس أكثر حتى مما يظهر على الشاشة. جهدٌ يمكن المراكمة عليه، لإنتاج أعمالٍ فنية في لبنان، ورفد الحركة الفنية اللبنانية/ العربية عموماً؛ وإعادة نوعٍ من الزخم إلى الاستديوهات والشركات المُنتِجة لبنانياً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا