طرح «مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما» كثيراً من الأمور الفكرية على منصة الممثل الواحد. لم تلعب الفجيرة بمفاهيم الحرية في المسرح حين بنت مهرجانها الخاص بالمونودراما. أكدت أنّ المونودراما من فنون المسرح، وإلا لما شارك العالمي بيتر بروك بمونودراما «كبير المحققين» في الدورة الخامسة عام ٢٠١٢. الدورة الأخيرة كانت عام 2014، فالمهرجان ينعقد كل سنتين على قواعد المتعة والإبهار البصري لحكائيات المؤدين، «ما يعوّض غياب الروح الجماعية الأساس في المسرح» وفق ما يصرّح لنا مصمم العروض الافتتاحية في المهرجان الممثل والمخرج السوري ماهر صليبي. يضع المهرجان شرطين للاشتراك فيه: التزام العرض بمواصفات المونودراما المعتمدة على الممثل الواحد، وابتعاده عن المعالجة التقليدية الخالية من التوهج الإبداعي. خلق المهرجان شروط تطور هذا الفن، ذلك أنّ المونودراما ــ إذا لم تبقَ مشدودة كوتر ــ تخسر قوة حضورها على المشاهدين. ندوة رئيسة وندوات تطبيقية على العروض، ومسابقة خاصة بنصوص المونودراما، تنتهي بإصدارها في كتب. صدرت النصوص الفائزة في الدورة الماضية خلال الدورة الراهنة أبرزها «الانتظار» لمأمون الحداد، و«العرض الأخير» لصبحية أبو ريا، و«فيس بوك» لأحمد الطراونة. أما نصوص هذه الدورة، فتنشر في الدورة المقبلة.
ضيوف المهرجان يسهمون في تكريس حضور المونودراما في الحياة المسرحية العربية. ماهر صليبي يجد في المهرجان «الفعل المسرحي المثمر»، إذ خاض تحدي إعادة الروح إلى المونودراما ونجح. استمراره ومستوى العروض البارز، دليل على ذلك.
تشارك فيه نخب المسرح على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل
كذلك خاض تحدي التنظيم الذي جعله مهرجاناً دولياً، تعبّر عروضه عن حضارات بلدانها وتشارك فيه نخب المسرح على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل، فيما دعم فاعلياته بمسابقة التأليف للمونودراما، وكسبت المكتبة العربية عشرات النصوص جراء ذلك. بداية المونودراما هي من الثقافة الشعبية: الحكواتي أو الراوي الشعبي. يسهم المهرجان في تأسيس فن جديد بأدوات قديمة وقريبة من ذاكرة الجمهور وذائقته، مع تطويرات ضرورية وفق ما أظهرت الدورة السادسة، أبرزها «عزيزة بنت سليمان» للسوري أسعد فضة (الصورة) مع الممثلة أمل عرفة، و«مايا» للجزائري بو سهلة هواري هشام، مع سعاد جناتي. توازن بين التفاصيل المحكية والمشهد البصري البعيد عن المغالاة. كل تكنولوجيا المسرح تتكثف في الأداء. التكنيك هو ذاته. تمثيل وخيال ظل ودمى وشاشات وأشرطة في بنى لا يرغب أصحابها إلا بالخروج على النمطية. الموروث يضحي عمليات مسرحية مختلفة. هكذا، خرج المهرجان من مفهوم حضور الحكواتي من المقاهي الصغيرة إلى المساحات المشغولة على التجمعات الكبرى.