أغنيات وأهازيج وقصائد من الشعر الشعبي العراقي دخلت في صلب الانتخابات النيابيّة العراقية التي جرت أمس، تاركة الكثير من الانطباعات الإيجابية والسلبية معاً، منها أنّ التنافس الذي يلجأ إلى الفنّ هو أرقى وأرفع من سعي بعض المرشحين إلى إلغاء الآخر وإبعاده بسبل عدّة، قد يكون العنف من ضمنها. وتؤكّد مؤشّرات ثانية أنّ من أدمن التملّق لأصحاب النفوذ والسلطة، لا يستطيع التخلّص من ماضيه وما تربى عليه في بيئة الاستبداد، بعدما تصوّرنا أنّنا تخلّينا عن نماذج مشابهة بمجرّد زوال حكم البعث.
صحيح أنّه من حقّ الكتل والائتلافات السياسية استثمار الأغنية العراقية في حملاتها الدعائية، إلا أنّ قسماً منها لم يخلُ من تمجيد فارغ وتغنٍ بإنجازات غير موجودة. ومن الطبيعي أن تكون هناك أغنية لهذا الطرف أو ذاك يجذب من خلالها جمهوراً جديداً أو يمنح مزيداً من الثقة لأنصاره، مثل «على اسم الله توكلنا» لـ«ائتلاف دولة القانون» (غناء قاسم السلطان وقيس هشام)، وأغنية «متحدون» لـ«ائتلاف متحدون» (غناء حسام الرسام)، و«مدنيّين» لـ«التحالف المدني الديمقراطي» (بصوت ماجد ككا). وكلّها نماذج تقدّم مرشحين بعينهم على أنّهم الوحيدون الذين سيدفعون الوضع العراقي نحو الاستقامة.
وأكثر من ذلك، توجد أناشيد تتغنّى بشيوخ عشائر ترشّحوا إلى الانتخابات، مظهرةً جولاتهم بين مناطق مختلفة من بغداد أو المحافظات الأخرى. والمؤسف في بعض ما قدّمته فضائيات الأحزاب والكتل المتنافسة، أناشيد تحمل معاني عنيفة وتضرب على وتر الانقسامات المكرسة أساساً، بشكل صار مملاً بعد 11 عاماً من المحاصصة الطائفية والقومية في بلاد الرافدين.
أما الشعر الشعبيّ، فهو كارثة الكوارث في انتخابات عراق اليوم. ثمّة فيديو موجود على يوتيوب انتشر بشكل سريع على فايسبوك، يظهر شاعراً شعبيّاً يتغزّل بمرشّحة للبرلمان المقبل، وهو يقول لها ما معناه: «القائمة الفلانيّة تنتظرك والأخرى تريدك، ورقمك الانتخابي تحمله امرأة كلّها شراسة، تحتاجها السياسة، والقائمة لأجلك تلتزم بالحراسة». ويظهر شاعر آخر معروف بتقلّباته في أوساط العراقيين خلال احتفال انتخابي لإعلان ائتلاف انتخابي، فيلقي قصيدة طالباً الانضمام إلى هذه القائمة. ولدى سؤال إحدى الإعلاميات التي حاورته عن سرّ ظهوره في الاحتفال المشار إليه، أجاب: «أعجبني اسم القائمة فذهبت فوراً لامتداحه».
أناشيد بمعان عنيفة تضرب على وتر الانقسامات الطائفية

وفي الشهر الأخير، تصاعدت مبادرات فرديّة وحراك شبابي باستخدام الفضاء اليوتيوبي لنشر فيديوات تحت عنوان «انتخب العراق». الشرائط المصوّرة فيها عودة إلى أغانٍ قديمة مثل «بغداد لا تتألمي» لكاظم الساهر.
وهي تذكّر بما سبق أن جرى في العراق، وتدعو إلى انتخاب وجوه جديدة. وهناك فيديو ثانٍ يُظهر شباباً من محافظات عراقيّة بدءاً من البصرة مروراً بالسليمانية، وصولاً إلى بغداد، يحرّضون العراقيين على انتخاب الأفضل.
حسناً فعلت بعض الفضائيات العراقيّة في إظهار مقاطع من قصائد لشعراء عراقيّين فيها دعوة للمشاركة في الانتخابات، مثل الفاصل الإعلاني الذي قدّمته قناة «الشرقية» الفضائية، ويبدو فيه الشاعر كريم العراقي يحثّ الناس على المشاركة في الحدث الأبرز الذي جرى أمس.




مرشحون إعلاميون

لعلّ حظوظ المرشحين العراقيين من أهل الإعلام غير واضحة إلى حد ما، إلا أنّ طبيعة القوائم المتنافسة ورقم المرشح الإعلامي فيها يختصران كثيراً من التساؤلات. إذا ارتأت القائمة أنّ الإعلامي الذي يرغب في الانضمام إليها ذو وجه معروف ويمكنه تأمين أصوات إضافية، منحته رقماً جيّداً يعزّز حظوظه بالفوز. وهذا ما حصل مع الكثير من الوجوه التي منحت أرقاماً مثل 12 و 15 و40. أرقام لعلّها تعطي الناخب مزيداً من الثقة بمرشح «محترم» داخل قائمته، ما يدفعه إلى التصويت له. أما الرهان، فيكون أساساً على ما قدّمه هذا الإعلامي خلال مسيرته المهنية، سواء على الشاشة أو في الصحافة المكتوبة.