الانقلاب الفكري لـ «الفنان» فضل شاكر مثير للاهتمام والعجب. أصحابه وأحبابه الجدد كلهم من عتاة السلفيين المتعصبين. وهؤلاء طبعاً ليس لديهم أدنى احترام للفن من حيث المبدأ ولا يميزون بين فنٍّ هابط أو راقٍ. فـ «المعازف» كلها حرام وهي من «مزامير الشيطان» عندهم. لذلك، كان من الطبيعي جداً لـ«الأخ أبو محمد»، كما صاروا يطلقون على فضل شاكر، أن يعلن اعتزاله الغناء سنة 2013 والتبرّي من ماضيه الفني.
ممكن للمرء أن يتفهم أن يمرّ فنانٌ ما بموجة تديّن تقوده إلى حالة من الوحدة الروحية وتدفعه لاعتزال الوسط الفني الموبوء بالفساد. لكن أن ينضم إلى عتاة السلفيين؟! أي روحانيات عند وحوش السلفية وهم أهل الظواهر والقشور؟! لم ينضم شاكر إلى تيارٍ روحي صوفي في الإسلام، بل اختار السلفيّة وفي أقبح تجلياتها «الجهادية» الطائفية.
إطلاق سلسلة من الأغنيات العاطفية نالت مشاهدات عالية
بعد هزيمة جماعة أحمد الأسير، توارى فضل شاكر عن الأنظار واختفى داخل مخيم عين الحلوة قرب صيدا، حيث لا وجود لقوى الأمن اللبناني. بعد إلقاء القبض على الأسير في مطار بيروت سنة 2015 ومن ثم محاكمته وإصدار حكم بالإعدام عليه سنة 2017، أسقط في يد فضل شاكر وشعر أن كل مشروعه «الجهادي» ذهب هباء منثوراً. بعدها، بدأ يفكر في «العودة» إلى الساحة الفنية، ولكن وضعه غدا معقداً، خاصة أنّ القضاء اللبناني أصدر عليه حكماً بالسجن 15 عاماً في قضية جماعة الأسير ذاتها.
ولكن شاكر لم ييأس وقرّر أن يبدأ رحلة العودة اعتماداً على رصيده وعلاقاته السابقة بالوسط الفني التابع في أغلبه للسعودية. في 2018، بدأ بإيصال الرسائل لمن يهمه الأمر بأنه عائد إلى بيت الطاعة بعد «زلّته» الجهادية. وكان التجاوب مع «الفنان التائب» إيجابياً بشكل عام. وكانت البداية مع الشيخ المشهور مشاري العفاسي الذي اشترك مع فضل في إنتاج أغنية «إسلامية» اسمها «فقدتك». ثم انتقل إلى أغنية جديدة (بعدما أزال لحيته «الإسلامية» وغيّر هيئته ليعود إلى الطابع الشبابي/ العاطفي) اسمها «ليه» للشاعرة الإماراتية جنان، أتبعها في بداية 2019 بأغنية أطلقها في عيد الحب (!) اسمها «حبيتك». ومن ثم تابع اعتماداً على قناته على يوتيوب إطلاق سلسلة من الأغنيات العاطفية نالت مشاهدات عالية وصلت إلى الملايين. وكان لافتاً الأغنية التي أطلقها في منتصف 2020 تحت مسمى «وحشتوني» لأنها كانت باللهجة السعودية ومن تلحين الأمير احمد بن سلطان آل سعود الشهير بـ«سهم».
ولكن جهود فضل شاكر للعودة إلى الساحة الفنية تعرضت لضربة قوية مع نهاية 2020 حين أصدر القضاء العسكري اللبناني أحكاماً جديدة عليه بالسجن وصلت إلى 22 عاماً بتهم المشاركة في أعمال إرهابية وتمويل جماعات مسلحة.
إلّا أن ذلك لم يغيّر من توجّه الذين قرروا «مسامحة» فضل شاكر وإعادة تأهيله. فعرضت قناة «العربية» تقريراً مطولاً عن قرارات المحكمة بحقه يمكن ملاحظة نبرة التعاطف فيه مع «الفنان» السابق. قال الصحافي المحسوب على السعودية يوسف دياب فيه إنّ «هناك عدداً من الدعاوى التي رُتبت بحق فضل شاكر كما بحق أحمد الأسير وجماعته». ولنلاحظ جيداً كلمة «رُتبت» التي توحي للمستمع بأن في الأمر ما يُريب! وأضاف أنّ قرار المحكمة «هو حكمٌ قاسٍ». وعندما سألته المذيعة «كأني أشعر من كلامك أنك تشعر أنّ التهم المنسوبة إلى فضل شاكر أكبر من الواقع وأنه مظلوم وهذه التهم غير صحيحة»، أجاب: «كل المتهمين (من جماعة الأسير) وهم بالعشرات عندما سئلوا عن دور فضل شاكر لم يدلِ أيّ منهم باعترافات بأنه كان متورطاً بأعمال إرهابية أو شارك في القتال أو حمل السلاح ضد الجيش اللبناني». فالمسألة إذن، كما يوحي كلام دياب، هي مجرد «تعاطف» مع جماعة الأسير! وليبرّر هذا التعاطف، قال إنّه في تلك المرحلة «نصف اللبنانيين كانوا متعاطفين مع أحمد الأسير»! وأضاف أنّ فضل شاكر يخاف لو سلم نفسه للسلطات أن يحاكم أمام المحكمة العسكرية «التي هي قريبة من حزب الله، وله تأثير كبير على القرارات التي تصدر عنها».
علينا أن ننتظر في قادم الأيام لنرى إذا كان «الغافرون» لفضل شاكر سيتمكّنون من إيجاد طريقة لتخليصه من وطأة ملفه القانوني الثقيل الذي يعيقه عن الحركة والتنقل. وإلى أن يحدث ذلك، يستمر فضل شاكر في عودته إلى الساحة الفنية واستعادة اعتباره شعبياً بمعاونة أصدقائه الكثر في الوسط الفني... ولو من داخل مخبئه.
* كاتب وباحث من الأردن