في وقت تتهافت فيه غالبية الممثلات في العالم العربي على العمليات والإجراءات التجميلية على أنواعها في محاولة لإيقاف الزمن، قدّمت كيت وينسليت أخيراً درساً لهؤلاء وأمثالهنّ. فهي من النجمات اللواتي يحرصن على التنويع بكل ما أوتين من أدوات (شارليز ثيرون في Monster ونيكول كيدمان في The Hours على سبيل المثال).في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أكدت الممثلة البريطانية الحائزة عدداً من جوائز الأوسكار أنّها رفضت عرضاً من المخرج الأميركي كريغ زوبل لتعديل مشهد جنس في أحدث مسلسلاتها Mare of Easttown («مير من إيست تاون» ــ HBO) يظهر فيه بطنها «منتفخاً قليلاً». عن هذه الحادثة التي جرت خلال تصوير العمل الدرامي المؤلّف من سبع حلقات وتلعب فيه دور المحقّقة والجدّة مير (ماري آن) شيهان في بلدة إيست تاون الأميركية، أوضحت وينسليت أنّ «عمري 45 عاماً وألعب دور امرأة في منتصف العمر. تعلّق الناس بالشخصية لأنّها حقيقية... إنّها امرأة عملية بجسم ووجه يتلاءمان مع سنّها وحياتها وتاريخها. وأعتقد أنّنا بحاجة لذلك على الشاشة». ولفتت بطلة فيلم The Reader إلى أنّها ردّت على اقتراح زوبل بالقول: «إيّاك أن تجرؤ». كما أنّها طلبت تعديل أفيش المسلسل مرّتين لأنّها شعرت بأنّه خضع لكثير من التعديل: «قلت لهم: أعلم عدد التجاعيد حول عينيّ، أرجوكم أعيدوها!».
بالتعاون مع ممثّلين مقتدرين، تقدّم كيت وينسليت أداءً مميّزاً في «مير من إيست تاون» الذي تجري أحداثه في زاوية قاتمة ومحرومة من ولاية بنسلفانيا. إنّها امرأة واقعية إلى أبعد الحدود، ومن الواضح أنّه لم يكن مقصد المؤلّف براد إنغلسبي تصويرها كمحققة بارعة، بل امرأة مليئة بالتناقضات، يصعد حزنها العميق والمكبوت والمؤجّل على انتحار ابنها «كيفين» إلى السطح بسبب قضايا فتيات مفقودات ومقتولات في مسقط رأسها.
عن هذه الشخصية المشغولة بإتقان، يؤكد إنغلسبي لموقع «فارايتي» إنّ المشاهدين أصبحوا أكثر تطلّباً ولن يرضوا بما هو كاذب أو مستسهل. في أولى تجاربه التلفزيونية، شكّل السيناريست والمنتج السينمائي ملامح البطلة أوّلاً، قبل أن يحيك حبكته حولها. هنا، يوضح إنغلسبي، الذي تمثّل الشخصيات النسائية في مسلسله (قسا عودهن وانكسرن من ثقل ماضيهن) في المقام الأوّل تكريماً للنساء في حياته، أنّه «لا يوجد ما هو فريد بشكل خاص في جريمة القتل. ما أثار اهتمامي في القصة هو كيف نجعل الكاركتيرات حقيقية وقابلة للتصديق من قبل الجمهور».
تشكّلت ملامح البطلة أوّلاً قبل أن تحاك الحبكة حولها


تتمحور الحكاية حول محققة في قسم الشرطة تتولّى مهمّة البحث عن حقيقة جريمة قتل غامضة، بينما تحاول على صعيد آخر الحفاظ على حياتها الشخصية من الانهيار.
لا يتعلّق Mare of Easttown بالجريمة بحدّ ذاتها، إنّما بعلم النفس الخاص بها. إنها قصة عن جريمة قتل، ولكنها أيضاً قصة عن الحزن والمرض العقلي والصدمة وتعاطي المخدّرات وسفاح القربى والعنف ضدّ المرأة والحياة في البلدة الصغيرة عموماً. إنّها حكاية الولاء المطلق للأمّهات المستعدّات لفعل أي شيء في سبيل حماية أولادهن. وبالنسبة إلى «مير»، فإنّ عدم قدرتها على ممارسة تلك الحماية مع ابنها الذي أنهى حياته هو أكبر أحزانها الذي لا مفرّ منه.
الحقيقة أنّ الناس معقّدون وفوضويون وخطّاؤون في معظم الأحيان. يعطي Mare of Easttown مساحة لهذا الشرط البشري من الخطأ لناحية التصرّف. هناك مجال لتعثّر الشخصيات من دون أن تواجَه بالأحكام. وعلى الرغم من حدوث فظائع وفي عزّ المأساة، ثمّة مكان للمغفرة. في المسلسل دعوة لإعادة تقييم الأخلاق والأفكار التقليدية حول الخير والشر. هذا هو جوهر الحدّوتة!
مع مرور الحلقات، وفي ظلّ الكشف عن التقلّبات والانعطافات في القضايا، يصبح المسلسل أكبر من مجموع أجزائه الكبيرة بالفعل. بحلول نهاية الحلقة الثانية مثلاً، يبدو المشاهد أقلّ ذهولاً تجاه المستجدّات بحدّ ذاتها مقارنةً بتبعاتها على جميع الشخصيات المعنيّة. فكلّ شيء وكلّ شخص حقيقي فيما يجد المرء نفسه مهتمّاً بكلّ جزئية مهما كانت صغيرة.
ولعلّ أبرز نجاحات هذا العمل الدرامي تكمن في طريقة تصويره للشخصيات التي يتم التعامل معها برحمة وتعاطف وإنسانية، بطريقة تفهم وتأخذ بعين الاعتبار جوهر العلاقات والشكوك الإنسانية المتوارثة والكامنة فيها.

Mare of Easttown:
متوافر على HBO Max
ومنصة Osn للبثّ التدفّقي