منذ فترة، أطلّ ممثلون سوريون شباب في كليب ساخر بعنوان «بالذبح جيناكم». في هذا العمل الذي قدّمه متخرّجو المعهد العالي للفنون المسرحية على يوتيوب مدعومين من «بدايات» (مؤسسة فنية غير ربحية توفّر منحاً بسيطة لمشاريع شبابية)، سادت لغة تهكمية أوغلت في الهزل من التصفية الطائفية التي تتسيّد المشهد في بلادهم.
وقبل يومين، أنجز الفريق نفسه (جيرار آغبشيان، وبتول محمد، ورشا عباس، وآمن العرند) كليباً جديداً بعنوان «بحب الموت» (بدعم من «بدايات») يبدأ باستعراض الذاكرة القديمة لطلائع «البعث» بدءاً من الملابس الرسمية مروراً بالرسوم البدائية التي كانت تطلى بها جدران المدارس، وصولاً إلى المذيعة التلفزيونية فاتنة محمد التي ظلت لسنوات تصدم المشاهد بإطلالتها وتستقبل أطفالاً من «منظمة طلائع البعث» بزيهم الرسمي وتدّعي أنها تستقبل الموهوبين. يجرد الفيلم القصير أو الكليب حساباً طويلاً مع عقلية التلفزيون السوري والمحسوبيات التي يعمل بها حتى الآن.
تطل رشا عباس في
«بحب الموت» متقمّصة دور المذيعة الشهيرة فاتنة محمد

تطل رشا عباس في «بحب الموت» متقمصة دور مذيعة التسعينيات الشهيرة. بماكياج فاقع ولغة عربية ثقيلة، تعرّفنا إلى المشتركة ثم تسحبها من شعرها كدلالة على أساليب العنف التي كانت سائدة في المدارس الابتدائية. تظهر الطفلة (بتول محمد) مؤدية التحية الطليعية، ومعرّفةً عن نفسها بشكل ساخر. بعد ذلك تخبرنا المذيعة بأن الأغنية «مهداة للقائد المفدى راعي الطفولة والشباب»، ويبدأ مهرجان الكوميديا السوداء على طريقة الأغنية التي تقول «بحبّ الموت برصاصة من روسية أو قناصة. بفتح راسي بفصح عيني، بدي إتشهد بطّل فيني. بحب الموت وأنا صافن هيك بالصدفة بشي هاون. بطير الفكرة بتجي السكرة متل رجلي ما عاد في بكرة. بحب الموت بالسكين. من هويتي اسم الدين. قطعوني وصلوني اتسلوا بدمي، سبحوني، بحب الموت بالتفجير ينشوى جلدي أشلائي تطير بحب الموت بكيماوي. بحاسب الله على القاعد، بطفي الجنة بشعل نار هي إصلاحاتك يا بشار».
على وقع الأغنية، تدور الكاميرا لتمسك بالتقاطات ذكية تلخص تاريخ مرحلة كالأغنية المكتوبة على لوح كبير أو الصور والشعارت المرسومة على الجدران مع مرور سريع على وجه المذيعة الممتعضة، لكنها تضطر إلى الابتسامة المصطنعة أمام الكاميرا، فيما نشاهد راقصين ذكوراً يلبسون أزياء داعش. في حديثها مع «الأخبار»، تقول الممثلة الشابة بتول محمد إنّ الأغنية «تسخر من طريقة الإعلام السوري المستمرة حتى اليوم، وأرادت أن تقول بمازوشية نريد أن نموت لكن دعونا نختر طريقة موتنا». أما الممثل جيرار آغبيشان فيقول لنا: «نهزأ من زمن الموت والطرق التي باتت تحصد الأطفال بالأساليب التي عددتها الأغنية». ويضيف أن الفريق سيحاول أن يطل مستقبلاً كفرقة فنية متكاملة تعمل على أفكار مماثلة. بإمكانيات بسيطة، تقدم الفرقة صورة مواكبة للحدث برؤية أكثر احترافية وجرأة وعمقاً من كل ما قدمته الدراما السورية عبر سنوات الأزمة. الغريب أنّ الشباب الذين يطلقون مبادرات فردية في هذه الأعمال المبكلة، لم يحظ أحد منهم حتى الآن بفرصة تلفزيونية في الدراما السورية تناسب موهبته، رغم أكاديميتهم واجتهادهم الدائم.