القاهرة جاء الكاتب البريطاني من أصل باكستاني طارق علي (1943) الى القاهرة في ظرف سياسي معقد. منذ «30 يونيو» الماضي، وهو يعبّر عن قلقه من إزاحة رئيس منتخب بطريقة ديموقراطية، خوفاً من تفشي نمط ديكتاتورية عسكرية يوقف المسار الثوري الذي عاشته مصر منذ «25 يناير 2011».
جاءت زيارة صاحب «بوش في بابل» للمشاركة في فعاليات «ورشة جغرافية الأماكن العامة ـــ المشاركة المجتمعية والمواطنة» التي أنهت أعمالها في القاهرة قبل يومين. يبدو لقارئ مؤلفات علي تأثره البالغ بمشروع إدوارد سعيد، علماً بأنّ علي خصّه بكتاب تضمّن حوارات مع المفكر الفلسطيني الراحل صدرت قبل أعوام. حتى في خماسيته الروائية الأخيرة «ظلال شجرة الرمان» («كتاب صلاح الدين» و«امرأة الحجر» و«سلطان في باليرمو» و«ليلة الفراشة الذهبية») التي وقّع ترجمتها العربية (دار كتب خان للنشر) في مكتبة «كتب خان» في القاهرة، ينطلق من رغبة في تفكيك خطاب الاستشراق في التعاطي مع الشرق المسلم، بدءاً من سقوط غرناطة، وصولاً إلى «الحروب الصليبية».
في «ظلال شجرة الرمان» (تعريب محمد عبد النبي)، ينطلق علي من نقطة شائكة في ثنائية شرق غرب يبدأها بمشهد سقوط غرناطة وهو مشهد مركزي في العلاقة بين الإسلام والغرب. لكن المؤلف لا ينظر إلى غرناطة إلا كأمثولة على حتمية تاريخية كان لا بد من أن تنتهي الى نقطة صدام وإزاحة بعدما خيّر المسلمون بين التحول إلى الكاثوليكية أو القتل. اختار بعضهم أن يتحول، في حين لجأ آخرون إلى الثورة المسلحة التي لا يكتب لهم فيها النصر، ولا ينظر لهذه الثورة كمسار متعثر بقدر ما يتعاطى معها كـ«نقطة عمياء» يستحيل عندها التعرف إلى طريق للخلاص. في سرديته البالغة الأهمية، لا ينحاز طارق علي إلى طرف على حساب الطرف الآخر، بقدر ما يعمل على تفكيك طبقات التعصب في الطرفين، ملتفتاً الى آلام الآخرين. وبقدر ما يفضح عنصرية راهب الشيطان الأسقف خمينيث دي سيسنيروس الناطق بلسان الكنيسة والتاج معاً، يحمّل المسلمين مسؤولية الخيبة التي أدت إلى الهزيمة وبدت كنهاية متوقعة تؤدي الى محاكم التفتيش التي تنتهي معها فكرة الحقيقة حيث تحرق المخطوطات وتبتلع الحرب التواريخ. وفي «كتاب صلاح الدين» (تعريب طلعت الشايب)، اشتغل على تأمل شخصية الناصر صلاح الدين الكردي المسلم الذي أخرج الصليبيين من الشرق وقدم نموذجاً للتعايش واحترام الاختلاف يناهض النموذج الذي أدى إلى اندلاع محاكم التفتيش. في هذا الجزء، بإمكان القارئ تأمّل المسار الذي أفرز شخصية الناصر، بدءاً من طفولته السعيدة في مدينة بعلبك، ثم عملية تدريبه على يد أبيه، وعلاقته بعمّه شِركوه، القائد الكردي الكبير الذي حالما توفي خلفه صلاح الدين منطلقاً في سلسلة فتوحاته الشهيرة. تبرز الرواية علاقة الصداقة التي جمعته بطبيبه الشهير اليهودي ابن ميمون الذي كلفه بكتابة مذكّراته. وعبر الحضور الطاغي لهذه الشخصية في النص، يسهل التعرّف إلى أجواء الثقة المتبادلة التي يغيب فيها خطاب التخوف من الهويات المتصارعة. كما يسهل التوقف أمام الرسائل التي تدين النظرة الغربية إلى واقع المجتمعات الشرقية عبر إصراره على تأكيد حضور المرأة كنموذج فاعل ومقاوم لا يمكن اختصاره في الفتنة والغواية. نصه مفتون بالنظر في مرايا متجاورة للتاريخ تضيء الحقيقة، وتفضح خطاب الانغلاق في كل العصور والثقافات.



البحث عن حق القارىء
من بعيد، من هناك






يعدّ طارق علي من أبرز مناهضي العولمة ومعارضي النموذج الأميركي. درس الفلسفة والاقتصاد في لندن، وأصبح رئيس «اتحاد طلاب جامعة أوكسفورد» عام 1965، وتولى رئاسة تحرير عدة صحف ومجلات؛ منها «اليسار الجديد». من مؤلفاته «باكستان حكم عسكري أم سلطة شعبية؟» (1970) و«الثورة من أعلى: الاتحاد السوفياتي إلى أين؟» (1988)، و«صدام الأصوليات: الحملات الصليبية والجهاد والحداثة» (2002) و«بوش في بابل» (2003) الذي انتقد فيه الحرب الأميركية على العراق، إضافة إلى روايات أبرزها «خماسية الإسلام» التي يتناول فيها جوانب من تاريخ الحضارة الإسلامية. اشتهر بانتقاده للسياسات الأميركية والإسرائيلية وتفرغ في السنوات الأخيرة لعمله ككاتب ومنتج أفلام وثائقية.