كان | للمرة الأولى منذ عقد، جرت فعاليات افتتاح «مهرجان كان السينمائي الدولي» ظهر أمس في أجواء مشمسة منحت استعراض صعود سلالم قصر المهرجان المكسوة بالبساط الأحمر، مزيداً من الألق والجاذبية. وللمرة الأخيرة، قبل أن يغادر الى التقاعد، وقف عراب «قلعة السينما» رئيس المهرجان جيل جاكوب، على بوابة قاعة لوميير الأسطورية، مستقبلاً رواد الكروازيت ونجومها أولهم نيكول كيدمان، بطلة فيلم الافتتاح «غريس أميرة موناكو» للفرنسي أوليفييه داهان.
منح الأخير الكروازيت واحداً من تلك السجالات التي تشكّل ملح المهرجان. بدأ الجدل بمعركة لي أذرع امتدت لأشهر بين داهان والمنتج الأميركي هارفي فينشتاين الذي اشترى الحقوق العالمية لتوزيع الفيلم. وإذا به يحاول أن يمارس القاعدة الهوليودية التي تتمثل في منح المنتج والموزع حق التحكم بالمونتاج النهائي للفيلم. فينشتاين الذي يشتهر بلقب «صانع الأوسكارات»، أراد أن يؤقلم سيناريو الفيلم مع متطلبات النجاح التجاري في الصالات الأميركية. هكذا، أعاد إنجاز المونتاج، مُدخلاً تعديلات جذرية اعتبرها داهان «تشويهاً لعملي وتبسيطاً تسخيفياً لقصة الفيلم». وأدت المعركة بين المنتج والمخرج الى معركة قضائية شائكة عرقلت طرح الفيلم في الصالات في الخريف الماضي كما كان مزمعاً.
مع بدء الترشيحات لـ «مهرجان كان»، وجد المفوض العام تيري فريمو نفسه أمام معضلة غير مسبوقة: تلقى نسختين من فيلم «غريس أميرة موناكو»: واحدة هي النسخة الأصلية للمخرج داهان، والثانية هي النسخة الأميركية التي نقّحها فينشتاين. وكالعادة، يقول فريمو: «لم يتردد المهرجان في الوقوف في صف المخرج، على اعتبار أنّ الملكية الفكرية يجب أن تبقى بيد المبدعين، وألا تخضع لأيّ ضغوط مالية أو اعتبارات تجارية».
مع قبول النسخة الأصلية وتزيكتها للعرض في الافتتاح، اضطر المنتج الأميركي للرضوخ. لكن ما أن مرّت ساعات على إعلان «المصالحة» بين داهان وفينشتاين، حتى انفجر جدال آخر جعل الأضواء تتركّز أكثر على الفيلم قبل ٢٤ ساعة من عرضه الرسمي. في بيان أصدره القصر الأميري الحاكم في موناكو، شجب أبناء الأميرة غريس محتواه، واعتبروا أنّه «تشويه للأحداث وإساءة لسيرة وصورة الأميرة غريس لأهداف تجارية».
خلال المؤتمر الذي تلا عرض الفيلم المخصّص للصحافيين صباح أمس، عبّر داهان عن استهجانه للاتهام الموجه له، قائلاً: « لو كان الرواج التجاري هدفي، لما خضت تلك المعركة الطويلة والشاقة مع منتج من مصاف هارفي فينشتاين». وأضاف: «لم اقل إنّني أريد التأريخ لسيرة الأميرة غريس. أنا فنان ولست مؤرخاً. وفيلمي قصة خيالية مستوحاة من التاريخ. ولا أرى فيه أي إساءة للاميرة أو للعائلة الحاكمة التي سهّلت لنا تصويره في الامارة، واطلعت مسبقاً على السيناريو، ولم تبد إلا ملاحظات ثانوية على قصته».
تأجج هذا الجدل أكثر مع اعلان الاميرة ستيفاني، صغرى بنات غريس بأنّه «لن نذهب لحضور الفيلم لا أنا ولا أي شخص من أبناء وأحفاد الأميرة غريس». وتضاربت التأويلات بخصوص انقلاب موقف العائلة في موناكو من الفيلم. والأرجح أنّ ذلك بسبب تطرق الفيلم الى الخلافات الداخلية بين أعضاء العائلة الحاكمة وتآمر شقيقة الأمير رينيه (زوج غريس) لإطاحته بايعاز من الجنرال ديغول في صيف ١٩٦١. يومها، حاصرت الدبابات الفرنسية الامارة الصغيرة لارغام حاكمها على قبول فرض ضرائب على سكانها من قبل الخزينة الفرنسية التي كانت بحاجة الى مصادر جباية جديدة لتمويل التكاليف الباهظة لحرب الجزائر.