كان | كل الظروف كانت مهيّأة ليكون فيلم «أسيرة» للمخرج الأرمني الكندي آتوم إيغويان (1960) الذي قُدّم عرضه الرسمي صباح أمس واحدة من المحطات الأبرز في هذه الدورة من «مهرجان كان السينمائي الدولي». صاحب «الأيام القادمة الجميلة» (الجائزة الكبرى ــ «كان» ١٩٩٧) يعدّ أحد «زبائن» الكروازيت الأوفياء. كل مشاركة له في «كان» تشكّل حدثاً بارزاً يحظى بحفاوة النقاد منذ اكتشافه في تظاهرة «أسبوع المخرجين» حيث عُرض فيلمه Exotica عام ١٩٩٤.
هذا الفيلم جعل الأضواء تسلّط عليه، ورفعه الى مصاف كبار صناع الفن السابع الذين يسعى المهرجان لاحتضان كل عمل جديد يقدمونه، ما خوّله دخول التشكيلة الرسمية في «كان» أربع مرات، كانت أولاها ضمن المسابقة الرسمية. وقد فاز بالجائزة الكبرى عام ١٩٩٧. لاحقاً، فضّل أن تُعرض أفلامه خارج المسابقة، منها رائعته «أرارات» (المقتبسة من سيرة عائلته ذات أصول أرمنية مصرية) التي أبهرت رواد الكروازيت عام ٢٠٠٢. وعاد ايغويان لاحقاً الى خوض المسابقة، مرة واحدة عام ٢٠٠٨، بفيلمه «عبادة» الذي حظي بحفاوة النقاد، لكنه خرح خالي الوفاض من سباق الجوائز.
وها هو يعود الى معترك التنافس على السعفة الذهبية، هذه السنة، بجديده «أسيرة». بلغ الإقبال على العرض الرسمي للفيلم صباح أمس مستوى قياسياً. اكتظت «قاعة لوميير»، كبرى قاعات قصر المهرجان، بالنقاد والاعلاميين، واضطرت إدارة المهرجان إلى ارتجال عرض مواز، في التوقيت ذاته، في «القاعة الستينية» للمئات ممن لم يجدوا مكاناً في العرض الرئيسي.
الإقبال الكبير على الفيلم لا يعود فقط الى الشعبية التي يحظى بها إيغويان لدى رواد الكروازيت، ولا الى النجوم الاميركيين البارزين الذين يتقاسمون الأدوار الرئيسة في الفيلم (راين رينولدز، سكوت سبيدمان، روزاريو دوسن...)، بل أيضاً لكونه يتصدى لموضوع راهن وحساس يتمثل في استعمال الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من قبل شبكات المافيا لاستدراج الأطفال القصّر وخطفهم من أجل استغلالهم جنسياً.
رغم قصة الفيلم الانسانية المؤثرة التي تتناول استماتة زوجين في البحث عن ابنتهما المخطوفة، طوال ثماني سنوات، جاء السيناريو الذي تشارك إيغويان في كتابته مع السيناريست الهوليوودي ديفيد فرايزر نمطياً الى حدّ التسطيح، بحيث لا يكاد الفيلم يختلف في أسلوب تصويره وبنيته الإخراجية عن أي فيلم تشويق هوليوودي!
لذا، جاءت ردود فعل النقاد متباينة الى حد كبير. من جهة، هناك إشادة بالجودة الفنية والتقنية للفيلم وبحبكته التشويقية المحكمة، ما يرشحه، بلا أدنى شك، لتصدر شباك التذاكر العالمي عند طرحه في الصالات التجارية خلال الصيف المقبل. لكن في المقابل، هناك خيبة أمل لدى النقاد الأكثر حباً لإيغويان ومعرفةً بسينماه من التنميط الهوليوودي الذي اتسم به عمله، إذ يمكن المنتج الاميركي أن يسند إنجاز الفيلم لأي مخرج هوليوودي آخر، من دون أن يغير ذلك شيئاً من نجاح الفيلم أو هويته الفنية والبصرية. ولا شك في أنّ ارتماء إيغويان ــ الذي خرج من معطف سينما المؤلف ــ بهذا الشكل الأعمى في أحضان السينما التجارية الهوليوودية من شأنه أن يقصي فيلمه عن معترك السباق على السعفة الذهبية في مهرجان يعدّ نفسه قلعة السينما المغايرة.