القاهرة | النصف الأول من التسعينيات كان بامتياز «نصف عقد» حسين الإمام (1951 ـــ 2014). لا يعني ذلك أنّه كان نجم المرحلة، بل يعني أنّ تلك المرحلة كانت نجمة حياته الفنية وذروة عطائه. هذا إن كنا نتكلم عن الفن الخالص، عن الطموح الإبداعي بعيداً من إنتاجات الميديا المسليّة كبرامج المقالب الرمضانية والكاميرا الخفية.
ثلاثة أعمال بالتحديد، في النصف الأول من التسعينيات بقيت وستبقى من حسين الإمام أكثر من غيرها وهي ما تذكّرها الجمهور فور الرحيل المباغت، والخفيف كصاحبه الفنان الموصوف بالشامل. وربما كان الوصف الأكثر تناسباً هو «المجرّب»، أو «المتنوع»، إذ لم يحقق المستوى نفسه في كل ما جربّ، بل كان يبدو كموهوب يستمتع ولا يأخذ الحياة بكثير من الجد.
افتتحت التسعينيات بفيلم اكتسح شباك العرض وقتها هو «كابوريا» للمخرج خيري بشارة من بطولة النجم أحمد زكي. موسيقى الفيلم التصويرية، وأغنياته في مقدمتها أغنية «كابوريا» الشهيرة نفسها، كان حسين الإمام قد وضع كلماتها ولحنها وتوزيعها. ارتبطت الأغنية بقَصّة الشعر «الإنكليزية» الشهيرة لبطل الفيلم حسن هدهد (زكي). وهو الفيلم نفسه الذي اعترفت نجمة الأوسكار كيت بلانشيت بأنّه كان مشاركتها السينمائية الأولى على الإطلاق (بالمصادفة وككومبارس أثناء سفرها صغيرةً إلى مصر). لكن ما بقي من الفيلم حتى الآن هو أغنيته «كابوريا» التي عرفت أيضاً باسمها الآخر «أنا في اللابوريا». أغنية غريبة الكلمات، تتكلم عن البحر وشباك الصيادين وأوامر الأب (ارمي شبكتك)، وتحذير الأم (البحر ياكلك)، مع أنّ البطل/ المغني ليس صياداً بل ملاكم شعبي، يتساءل في الأغنية «في إيه هانبكي عليه؟». ربما لأنه وقع في شباك الزوجين الغنيين حورية (رغدة) وسليمان/ حسين الإمام نفسه الذي قام أيضاً بإنتاج الفيلم عبر شركته «الإمام ستار»، محققا ربحاً وفيراً، وصيتاً وصل إلى اليوم عبر أغنيات فرق «المهرجانات الشعبية» التي استعارت الأغنية وأعادت غناءها بطريقتها الخاصة.
بعد عامين على «كابوريا»، ومع المخرج خيري بشارة أيضاً، حقّق حسين الإمام ظهوره الأبرز التالي مع شخصيته الأنجح على الإطلاق: شخصية «زيكو» في «آيس كريم في جليم» (1992)، آخر الأفلام الغنائية الناجحة في السينما المصرية. مرة أخرى، يؤدي حسين دور الشرير خفيف الظل. هنا هو صاحب محل الفيديو الذي يعمل فيه سيف (عمرو دياب) الذي يطرده بعد تعرضه للسرقة، ثم يحاول استغلاله مراراً ولو بخفة الظل نفسها.
سيكرر الإمام بعد حوالى عقدين دور الشرير المسلّي في «ابن عز» (شريف عرفة) آخر أفلام علاء ولي الدين، لكنه ما زال هنا، في «آيس كريم في جليم»، يحقق أكثر أدواره تميزاً مقارنة بأفلام مثل «كذلك في الزمالك» و«أشيك واد في روكسي».
سنتان أخريان بعد «آيس كريم في جليم»، ويقدّم حسين للفنان محمد منير أغنية «جنني طول البعاد» في ألبوم «افتح قلبك» (1994)، الذي كان أحد أكثر ألبومات منير جمعاً بين النجاح، والقيمة الفنية. وكانت «طول البعاد» (من كلمات وألحان وتوزيع حسين الإمام) بدورها من أنجح أغنيات الألبوم جماهيرياً ونقدياً. لحّن الإمام في الألبوم ذاته «العالي عالي يابا» من كلمات كوثر مصطفى، لكن «البعاد» ظلّت العمل الأكثر اكتمالاً في علاقة الإمام بمنير، السابقة «توزيعاً»، واللاحقة تلحيناً وتوزيعاً.
هذه الأوجه الثلاثة: مبدع الموسيقى التصويرية في «كابوريا»، والممثل في «آيس كريم في جليم»، والمؤلف والملحن والموزع في ألبوم «الملك» (افتح قلبك)، مثّلت النجاحات الفنية الأبرز لحسين الإمام. لا يقلل ذلك من نشاطاته السابقة واللاحقة، من فرقته «طيبة» التي أسسها مع شقيقه مودي الإمام منتصف السبعينيات، ولا من برامجه الكوميدية الطريفة أو أدواره التلفزيونية في ما بعد. فقط بقيت حقيقتان: الأولى أنّ تسعينيات الإمام ظلت فترته الذهبية، والثانية أنّه رغم شهرة وجهه المبتسم المحبب على الشاشات، كممثل أو مقدم برامج، إلا أنّ نجاحاته الأبرز في النظرة النهائية، كانت موسيقية قبل أي شيء.




حزن وصدمة

تحوّل خبر وفاة حسين الإمام إلى الخبر الفنيّ الأبرز على مختلف الفضائيات المصرية. سيطرت على الكاتب مدحت العدل والممثلة إيمي سمير غانم حالة من الذهول خلال حوارهما في برنامج «انت حرّ» الذي يقدّمه العدل على قناة «سي. بي. سي 2». وبكى محمود سعد خلال تقديمه برنامج «آخر النهار» (قناة «النهار»)، معرباً عن حزنه لرحيل الإمام، وكتب أحمد السقا عبر حسابه على الفايسبوك: «ربنا يرحمك... صانع البهجة حسين الإمام». ونعت الممثلة السورية رغدة الراحل على صفحتها على الفايسبوك قائلة: «لروحك السلام والأمان، اغف يا صديقي فوق كتف الغياب إلى أن نغفو وراءك. مرارة اليقظة وعلقم الصبر».