مثّلت حادثة برج حمود (قضاء المتن) الأحد الماضي اختباراً للإعلام المحلي. حادثة بدأت فردية سرعان ما تحوّلت إلى توتّر بين السكان، واستدرجت بعض الإعلام إلى غوغاء الشارع ومصطلحاته، بينما تنبّه البعض الآخر إلى مخاطر الانزلاق وإسقاط شرور العالم على مجموعة اثنية معينة.
منذ يوم الأحد، طفت على بعض الشاشات عبارات عنصرية فعمّمت «الإجرام» و«الزعرنات» على مجموعة عرقية محددة. طبعاً، الريادة في هذا المجال تصدّرتها mtv، هي التي قدّمت قبل أعوام تقريراً يطفح بالعنصرية حول العمّال الأجانب في تلك المنطقة بالذات (الأخبار 20/10/2011). هذه المرة، خلطت mtv في تغطيتها كوكتيلاً منوّعاً من «التابعيات السورية والكردية»، رابطة الإشكال الذي حصل بأزمة النزوح السوري والعمال الأجانب. أكد هيثم خوند خلال رسالة في النشرة المسائية «حتمية» انفجار «أزمة النازحين السوريين والعمال الأجانب عاجلاً أم آجلاً»، مذكّراً بالإشكال الذي حدث عام 2004 بين «سكان برج حمود والسوريين الأكراد». خوند الذي كان حاضراً بين السكان الغاضبين، استصرح أحدهم الذي قال: «من بعد الساعة 7 ممنوع مرا تمرق. هنّي أجراء؟ (السوريين) صارو هني الملّاكين. أنا مدير مطعم قاعد بلا شغل لأنّه حاطين مدير سوري محلي». أنزلت هذه التغطية كل هذه الويلات دفعة واحدة، ممعنة في استثمار الحادثة الفردية، ومحمّلةً إياها كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
أما «الجديد»، فقد أوكلت مهمة تقديم الرسالة المباشرة إلى مراسلتها نوال برّي، التي رأت أنّ المسألة «احتجاج في الشارع على خلفية هذه الحادثة، ونقمة من الأهالي لعدم تسليم الجناة المتورطين»، لكنّها لم تستصرح أحداً من الغاضبين، بل قالت إن «الأهالي احتجوا على الأكراد اللبنانيين. هم لبنانيون يحملون الجنسية اللبنانية، ولهم ثقل ووزن في الانتخابات النيابية. وما جرى اليوم قام به أحد الأفراد»، قبل أن تختم بأنّ «الأهالي ما زالوا مصرّين على العيش ضمن نسيج واحد». وحدها «المنار»، عرضت روايتين في تغطيتها. عنونت تقريرها المسائي يوم الأحد (إعداد حسين عواد) «زرزور سيجارة أم سكارى؟». ورجّحت أن يكون سبب تطوّر الإشكال إما أعقاب السيجارة المرمية على سيارة إلياس كلش (المصاب جرّاء رمي قارورة غاز على رأسه)، أو حالة السُكر التي أصابت «العمال الأجانب». واللافت أنّ التقرير تضمن تصريحاً لأحد سكان حي «مار يوسف» (برج حمود)، قال فيه «مش صحيح نحن منكره السوريين. مهم الناس اللي بتحترم حالها». وسط اللغة المقيتة والعنصرية التي انتشرت على بعض القنوات، لا بد من توجيه تحية إلى lbci على تغطيتها للحادثة. ركزت على جانب أهملته باقي القنوات، يتمثّل في هروب السكان الأكراد من المنطقة «خوفاً من الانتقام»، كما نقلت معاناة النساء اللواتي تعرّض بعضهن للعنصرية. ولفتت إلى أنّ «الممارسات الشنيعة لا تعني أنّ كل الأكراد مجرمون»، قبل أن يُختم التقرير بجملة علّها تمثل درساً للبقية: «قد تخفّ الإشكالات مستقبلاً، لكن لن يخفّ حكم الناس المسبق عليهم بحسب طوائفهم أو أعراقهم».