ليس مصادفةً أبداً أن يتواءم تاريخا عيد «المقاومة والتحرير» هذا العام، وذكرى الاحتفاء باليوبيل الذهبي لـ«المجلس الثقافي للبنان الجنوبي». هما بالأصل توأمان أحدهما ناضل بالقلم والثقافة والفكر، والآخر بالبندقية. في قاعة «قصر الأونيسكو»، امتزج جيلان مختلفان: دم شبابي أتى من ضلع آخر سبقه، وجيل هرم نسج مع المجلس السنوات الخمسين يداً بيد ثقافة وفناً وتراثاً.
على اللافتة الواقعة في خلفية المنبر، تطاير العبارات المحتفية بهذا العيد: «الجنوب شعراً، الجنوب تراثاً، الجنوب غناء وموسيقى» ومن «كل الجهات الجنوب». أربعة متحدّثين توالوا الاثنين الماضي على منبر «الأونيسكو» فيما غابت الأديبة إملي نصر الله وحضرت عبر كلمة مقتضبة ألقاها عريف الاحتفال. رئيس «مجلس القضاء الأعلى» سابقاً غالب غانم حضر خطيباً وشاعراً. تحدث عن المجلس المقاوم لأعداء الخارج أي الصهاينة ولأعداء الداخل الذين يمكن إدراجهم في خانة «الظلاميين والرافضين للآخر وأعداء الثقافة». وشدد على أن المجلس هو «حالة كيانية» في الثقافة وليس عابراً أو مستعاراً لها. رئيس جائزة «محمود درويش للثقافة والإبداع» الكاتب والناقد فيصل درّاج تحدّث عن حيثيات منح هذه الجائزة للمجلس مطلع هذه السنة. عرّج على تجربة محمود درويش الذي تلا أولى قصائده على منبر «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي». واءم دراج بين الرجل والمجلس في تحقيق الرسالة عينها: درويش «وضع رسالته في قصيدة ورحل» بينما المجلس وضع رسالته في «الشعر وما يفيض عنه» وما زال.
من أهم الأواصر التي بناها المجلس كان التشبيك مع باقي الأندية الثقافية. تجارب نجح بعضها كما مع «الحركة الثقافية ـ إنطلياس» و«النادي الثقافي العربي» ودار «الندوة»، وفشل بعضها الآخر بسبب «الحساسيات والتوجهات السياسية». الأمين العام لـ«الحركة الثقافية ـ إنطلياس» عصام خليفة عدّد أهداف المجلس من حرصه على تحقيق العدالة الاجتماعية المستدامة وصولاً الى مواجهة الخطر الصهيوني الطامع بالأرض والماء واليوم البترول. 1330 نشاطاً للمجلس وثّقت منذ عام 1990 حتى 2014 انطلق منها خليفة للحديث عن مشوار المجلس في الحفاظ على ذاكرة التراث العاملي والأهم من كل ذلك الشفافية والاستقلالية التي طبعته منذ تأسيسه وخروجه من ساحة الارتهان والاستزلام. مع توالي المتحدّثين، كان الأمين العام للمجلس حبيب صادق (1931) «السنديانة الجنوبية»، يجلس منصتاً. «الحبيب الصادق» الثمانيني الذي لم تزده السنون إلا عناداً لاستكمال مسيرة النهوض بالثقافة وتأريخ أعلامها، مشى على مهل للوصول الى المنبر. اختصر كلمته، متحدّثاً عن أهداف المجلس في قضيتين، مستعيراً صورة انقطاع الرهبان في صوامعهم ليسقطها على المجلس: قضية الوطن التي بدأت من الجنوب الرمز الهدف للاحتلال الإسرئيلي و«المقاومة التي استبسلت وصدقت في وعدها ودحرته». والقضية الثانية هي الثقافة الوطنية الديمقراطية التي عنونها «الانفتاح الصحي على الثقافة الإنسانية».
نشاطات المجلس الإحتفائية تستمرّ حتى يوم السبت، وتراوح بين الشعر والفن التشكيلي. أمس، أقيمت أمسية شعرية لالياس لحود وحسن عبدالله ومحمد علي شمس الدين وشوقي بزيع وجودت فخر الدين. وغداً تحلّ الفنانة أميمة الخليل غناءً. والختام مع ندوة حول المعرض التشكيلي يتحدث فيها حسن جوني وفوزي بعلبكي والناقد أحمد بزون.