ينطلق غداً الخميس «مهرجان الفيلم الدانماركي» في «متربوليس أمبير صوفيل». يفتتح الحدث بشريط «رجل مضحك» (2011 ـ 111د) للمخرج مارتن بييتر زندفليت الذي يروي سيرة الراحل ديرش باسير، أحد أشهر الكوميديين في تاريخ الدانمارك. الحقيقة أن أكثر ما كرهه ديرش في نفسه كما يصوّره الفيلم أنّه «رجل مضحك»، تلك الصورة التي التصقت به كأنما رغماً عنه وحاول جاهداً الخروج منها. حتى أنّه عندما قرر تقديم مسرحية درامية، لم يأخذه الجمهور على محمل الجد وواصل الضحك، ما تسبّب له في انهيار عصبي وهو على خشبة المسرح.
المحور الثاني الذي يركز فيه المخرج في شخصية ديرش هو إحساسه المستمر بالفشل رغم النجاح الذي حققه. ظلّ أسير صورة «المهرج» طيلة حياته، مرغماً على أداء الدور نفسه. أما تساؤل ديرش المقلق فهو: لماذا يضحك الجمهور؟ إعجاباً بأدائه، أم أنّه يسخر منه؟ هل هو رجل مضحك أم مثير للسخرية؟ الشك يستحوذ تدريجاً على تفكيره إلى أن يقترب من البارانويا ويتحول صعوده إلى خشبة المسرح إلى نوع من كابوس مرعب. حياة ديرش العاطفية غير مستقرة كما يصورها الفيلم. ينتقل في كل مرة من علاقة إلى أخرى، ومن زيجة إلى أخرى هاجراً في كل مرة العائلة التي كونها. العلاقة الوحيدة الثابتة التي تمثل له مصدر الأمان هي علاقته بشريكه في أداء العروض الكوميدية بيترسن.
لكن بعد وفاته، يتشتت ديرش ويفقد اتزانه. عبر اللغة السينمائية، يحاكي المخرج تدهور حالة ديرش. بينما يتجه أكثر صوب الكلاسيكية في طريقة إخراجه، يتغير مع تقدم وقت الفيلم. نراه يلجأ إلى مشهدية تجسد تقوقع ديرش وصراعاته الداخلية عبر إيقاع أكثر فوضوية ولقطات مقربة من زوايا غير تقليدية تصوّر شخصية ديرش بطريقة أكثر حميمية كاشفةً القلق الذي يعتمر داخله للمشاهد. من ناحية أخرى، فإنّ الممثل نيكولاج لي كاس الذي يلعب دور ديرش يبرع في أدائه هذه الشخصية المضطربة، خصوصاً في المشاهد الصامتة. ومن بين الأفلام الوثائقية الاستثنائية التي تعرض في المهرجان، «فعل القتل» (30/5/ 2012، 159 د) لجوشوا أوبنهايمر. فاز العمل بجائزة الفيلم الأوروبي لأفضل وثائقي عام 2013 ورشِّح لجائزة أفضل فيلم وثائقي في الأوسكار. تجري أحداث الشريط في أندونيسيا عام 1965 بعدما أطاح بالحكومة انقلاب عسكري اتَّهم كل من عارضه بأنه شيوعي وأمر بتصفيته. في أقل من سنة، قُتل حوالى مليون ونصف المليون شخص بتهمة الشيوعية على يد العصابات التابعة للحكومة وبدعم الدول الغربية.

يعدّ «فعل القتل» عن
تصفية الشيوعيين الأندونيسيين من أهم محطّات المهرجان

في مقاربة فريدة، قرر المخرج أن يروي ما حدث من خلال رجال العصابات أنفسهم الذين يستدعيهم ويطلب منهم تصوير فيلمهم الخاص عن جرائم القتل التي ارتكبوها، طالباً منهم إعادة تخيل هذه المشاهد وتمثيلها. النتيجة فيلم قاس وسوريالي يمزج بين الرعب المتخيل والحقيقي. أما ما هو أغرب، فهو موقف أنور ورفاقه رجال العصابات من المجازر التي ارتكبوها. بالنسبة إليهم، هي شيء اعتيادي في بلد لما يزل يفتخر بقتله للشيوعيين. ويُنظر إلى أنور وغيره من رجال العصابات من مؤسسي منظمة «بامودا بانكسيلا» اليمينية المتطرفة على أنهم أبطال، فهذه العصابات تعتبر الفرع غير الرسمي للجيش الذي ينفّذ أعماله القذرة. الغريب أنّه وحده أنور يعيد النظر في أفعاله مع تقدّم الشريط. ويتوصل إلى أنهم الأشرار والقتلة، وليس الشيوعيين كما كانت تروج البروباغندا ولما تزل. يصبح أنور كأنما البطل، والشاهد الوحيد على الجريمة التي لا يسمح له أحد بالاعتراف بها. هذه إحدى وجهات النظر الملتبسة التي يعرضها الوثائقي بالإضافة إلى مشاهد أخرى كإعادة تمثيل الجرائم التي ارتكبت. مثلاً، يشرح أنور بهدوء كيف كان يخنق ضحاياه بسلك معدني لتفادي سيل الدماء التي تسبب رائحة كريهة، ثم يتحدث بعدها عن الرقص وحبه
للموسيقى.
هي طريقة مثيرة للجدال يعتمدها المخرج في عرضه لهذه الفظائع وترك حرية إعادة إخراجها وتمثيلها لمن ارتكبوها بطريقة كوميدية أو سوريالية، فمن شأن ذلك في بعض المقاطع أن يعزز بشكل غير مباشر من فظاعة المشهد المتخيل التي تتناقض مع الطريقة الأوتوماتيكية أو حتى المرحة التي يصف بها القتلة الجرائم. من ناحية أخرى، لا تعود الأدوار واضحة مع تقدّم الفيلم. هكذا، نخرج تماماً من ثنائية الشر والخير لنجد أنفسنا في مشاهد سوريالية تتسم بجماليتها البصرية الاستثنائية. كأن المخرج ينقلنا من الوثائقي إلى الدراما المتخيلة إذ يسهل أن يتحول القاتل إلى ضحية أو العكس. بالإضافة إلى هذه الأفلام، يعرض أيضاً «جوان» (31/5/2011، 99 د) لكاسبر هولتن (2010) الذي يرتكز على أوبرا «دون جيوفاني». كذلك، يعرض «نهار أحد في الجحيم» (1/6/1977، 111د) لجرجن لث. إنّه وثائقي من سنة 1976 عن سباق على الدراجات الهوائية بين باريس وروبيه. الفيلم الروائي «هذه الحياة» (2/6/2012، 123 د) لآن غريث بجاروب يتناول موضوع الهفيدستن وهم مجموعة من النساء والرجال من قرية في شرق جزيرة غوتلند تعاونت مع البريطانيين أثناء الحرب العالمية الثانية وساعدت المقاومة الدانماركية في وقت أعلنت الحكومة الدانمركية تحالفها مع المحتلين الألمان. أيضاً، يعرض فيلم «بعثة إلى نهاية الحياة» (3/6/2013، 90د) لمايكل هاسلند كريستنسن الذي يتتبع رحلة 10 مسافرين إلى شاطئ سري. ويختتم المهرجان بفيلم «القناص» (4/6/2013، 89 د) لآنيت كي اولسن الذي يصور الصراع بين السياسيين والصحافيين.



«مهرجان الفيلم الدانماركي»: بدءاً من الغد حتى 4 حزيران (يونيو) ـ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية، بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080 ـ كل العروض تبدأ عند الثامنة مساءً