«القدس محرّمة علينا وأنا لن أذهب إلى هناك... لا أقبل السلام مع اسرائيل، لأن هذا اعتراف بدولة حُبل منها الإثم وولدت فيها الخطيئة. الاعتراف بإسرئيل هو موقف ضد ضميري وليس فقط ضد قناعاتي اللبنانية». منذ أيام، تتصدّر جملة المطران جورج خضر، مواقع التواصل الاجتماعي رداً على زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. رغم أنّ الأصوات التي ارتفعت ضد هذه الزيارة كانت خجولة في بادئ الأمر، إلا أنّها سرعان ما ازدادت حدةً بعد التصريحات الاستفزازية التي أطلقها البطريرك أمام عائلات ميليشيا لحد. لعلّ تصريحه الأبرز في هذا الخصوص مخاطبتهم من كفرناحوم قبالة الحدود الجنوبية المحررة، وتأكيد رفضه لصق صفات «العمالة والخيانة» بهم، قائلاً: «الأبرياء دائماً يدفعون ثمن شرور الكبار»!.
هذه العبارات المستفزة للبنانيين، خصوصاً الذين عاشوا في ظل الاحتلال الإسرئيلي في جنوب لبنان، وعانوا من التنكيل والاعتقال والمجازر، مثّلت غضباً عارماً عبّر عن نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي ووصل إلى مطالبة البطريرك بالتنحّي أو الاعتذار. وبعدما كانت عبارة «العملاء لا دين لهم ولا طائفة» تتناقلها ألسنة المرجعيات السياسية والدينية في لبنان، عادت مجدداً إلى الضوء مع الحملات التي عبّر فيها ناشطو السوشال ميديا عن غضبهم إزاء ما تفوّه به البطريرك في فلسطين المحتلة. أنشئت على الفايسبوك مجموعة «مجرمون لا ضحايا» رداً على تصريحات البطريرك وناهز عدد الناشطين فيها الألف في غضون أقل من 24 ساعة على إطلاقها. في هذه المساحة، عبّر الناشطون عن هذا الغضب الذي يعتريهم، وذكّروا بأفعال وجرائم ميليشا انطوان لحد. صور عدة نُشرت في المجموعة تظهر المتعاملين الذين دافع الراعي عنهم، علماً أنّهم صرّحوا أمامه بأنّهم يفخرون بانتمائهم إلى «إسرائيل»، ووضعوا الأعلام الصهيونية خلفهم. الناشطون أيضاً، دعوا الراعي إلى اختبار عذابات معتقلي «الخيام» ولو لساعات، فعرضت صور الزنازين الضيقة التي لا تتعدّى مساحتها متراً، ومعها صور المعذبين والشهداء الذين قضوا تحت أسواط التعذيب. رأس العمالة أنطوان لحد لم يغب بدوره عن حملات الاستنكار. نشرت صوره مع كبار ساسة الكيان الصهيوني. وفي موجة غضبهم هذه، نشرت صور تقارن بين تكريم الراعي لدى زيارته إلى الجنوب اللبناني (2011) وبين وجوده ضمن عائلات المتعاملين مع الصهاينة.

أكّد باسل العريضي
في تقرير «الجديد» تحوّل الزيارة من رعوية إلى سياسية

الحملات لم تحصر نفسها في هذه المجموعة الفايسبوكية. راح الناشطون ينشرون على صفحاتهم الخاصة آراءهم الشاجبة لما قام به الراعي ونطق به في الأراضي المحتلة مرفقة بهاشتاغ #مجرمون_لا_ضحايا. على المنوال نفسه، سار المغرّدون على تويتر مع هذا الهاشتاغ مُضافاً إليه هاشتاغ آخر #خونة_ونصّ. هناك، بدا المشهد مماثلاً في الشجب والامتعاض من كلام الراعي ومواقفه. استذكار لمعاناة الجنوبيين إبان الاحتلال والذلّ الذي كان العملاء يمارسونه عليهم، خصوصاً على المعابر. استذكار ممزوج بالألم لا سيما عند عوائل الشهداء مع تعليق أحد المغرّدين يقول فيه للعملاء «ستلعنكم أرواح الشهداء وآلام الأسرى وصراخات الأطفال». تبعه سؤال للراعي من أحد المغرّدين «يا غبطة البطريرك، سامع بمعتقل الخيام وبعذابات الأسرى هناك؟ بتسميهن شي ضحايا؟». الراعي الذي أُعطي له «مجد لبنان»، أزال هؤلاء عنه هذه الصفة ومنحوها إلى «شعب قاوم وضحىّ وصمد» في وجه الاحتلال وعملائه.
هذا في العالم الافتراضي، أما على القنوات، فقد عرضت قناة «الجديد» مساء أول من أمس تقريراً لاقى رواجاً على شبكات التواصل. تقرير استهلّه مراسل المحطة باسل العريضي بتأكيد انحراف مسار الزيارة التي روّج لها على أنها رعوية وتحوّلها إلى زيارة ذات بعد سياسي خطير. التقرير كان حاسماً وواضحاً في وضع النقاط في استعراض كلام الراعي المتنقّل بين العائلات اللحدية و«أسفه بأن تلصق بهم تهم العمالة والخيانة». إلى جانب كلامه، كانت هناك عودة إلى الماضي القريب، إلى حقبة الاحتلال الصهيوني التي ما زالت «موثقة بالصوت والصورة منذ أواخر السبعينيات حتى التحرير». إلى جانب هذه الصور التاريخية، كانت هناك شهادة للأسير المحرّر نبيه عواضة ضمن تقرير العريضي. ذكّر عواضة الراعي بمواد القانون اللبناني، وتحديداً تلك المتعلقة بالتعامل مع العدو الصهيوني التي تصل عقوبتها إلى الإعدام. وأعاد التذكير بأسماء الذين رفضوا التعامل مع المحتل ونُكّل بهم جرّاء هذا الرفض. ولميليشيا لحد أيضاً محطة مع تحريك الذاكرة حيال مجزرة صيدا (جنوب لبنان) التي ارتكبت على أيدي اللحديين. وخُتم التقرير بكلام عواضة قائلاً «كل من حمل السلاح إلى جانب العدو هو عميل وخائن».