أتاح لنا «فوتوميد» العام الماضي مشاهدة مجموعة ليلى العلوي الفوتوغرافية «المغاربة». هذه السنة، حضر بورتريه المصورة المغربية الراحلة وحده مع أزهار بيضاء، ضمن تحية توجهها الدورة الثالثة من النسخة اللبنانية لـ «مهرجان الصورة المتوسطية» إلى الفنانة القتيلة. لا شيء مستغرباً، فرحيل العلوي قبل أسابيع في هجوم مسلح لعناصر من «القاعدة» على بوركينا فاسو، يبدو جزءاً ملائماً من السيناريو العبثي الذي يجرّ المنطقة نحو تبدلات لم تعد تقوى حتى عدسات المصورين على الوقوف في وجهها. المهرجان الفرنسي، الذي يسعى إلى مدّ الروابط بين دول البحر المتوسط من خلال الفوتوغرافيا، جاء متشعباً لناحية الأساليب والمواضيع الكثيرة.
حتى 11 شباط (فبراير)، تتوزع المعارض الاستعادية والمجموعات الجديدة في «مركز بيروت للمعارض»، وStation و«المعهد الفرنسي» في بيروت وفندق «لو غراي»، و«بنك بيبلوس». جمع هذه الأساليب والاهتمامات والأجيال، يذهب أبعد من كشف الروابط بين دول البحر المتوسط إلى التقريب على تطور الفوتوغرافيا الفنية والتوثيقية والتجريبية في لبنان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا. أبرز محطات هذه السنة هي الصورة الإسبانية التي يحتفي الحدث بها، ومعرض استعادي لأعمال للمعلم الفرنسي «الإنساني» إدروارد بوبا التي تقترب من التوثيق الصحافي لشعوب المنطقة. ويبدو هذا المعرض أشبه باحتفاء فولوكلوري بمآس قديمة، أمام غياب أهم حدث يوحد هذه البلاد، تحديداً أزمة اللاجئين في البحر المتوسط الذي سرق في السنوات الأربع الأخيرة وحده أرواح ما يقارب 10 آلاف لاجئ. هكذا ينصرف المهرجان نحو تظهير الهموم البيئية والجمالية والتقنية البحت، وإلى رصد خصوصية المناطق وتحولاتها المدينية والاجتماعية، والممارسات البشرية اليومية داخل بؤر مسحوقة. تتجاور استعادة أعمال معلمي التصوير الفوتوغرافي والصور الأرشيفية، مع أعمال ومشاريع شابة جديدة، فيما دعا المهرجان هذه السنة خمس غاليريهات لبنانية للمشاركة (راجع الكادر)، واستضاف أربعة أعمال فيديو (راجع الكادر).
تظهر رندا ميرزا الشرخ المديني بين الواقع والمشاريع العمرانية المستقبلية في بيروت

ضيفة الشرف هذا العام هي إسبانيا. توني كتاني (1942 ــ 2013) أحد أهم الفوتوغرافيين الجماليين هو الوجه الأبرز في المعرض. مجموعته «سجلات الظل» فيها 40 صورة بالأبيض والأسود، تخرج بتقنية الكالوتايب. هناك لحن خفي تبعثه لقطات الحياة اليومية للأزهار والأجساد والأمكنة الملتقطة من المكسيك والبندقية. هي جزء من مشروع المعلم الإسباني الكبير الذي يمزج فيه بين اهتمامه بأبناء ومناطق البحر المتوسط وتقنيات التصوير التي تعود إلى القرن التاسع عشر، أبرزها الأسلوب الجمالي والشاعري في تقليد اللوحات الزيتية. في «مرتجل وغير مصنف» تقترب حركة عدسة ألفارو سانشيز مونتانيس (1971) إلى اللعب. الألوان والحركية تجعلها كمشاهد من أفلام بيدرو ألمودوفار: كلاب محلقة، وأرجل حيوانات عملاقة... تبديل الوظائف، واختراع أدوات جديدة يخلقان نوعاً من الفانتازيا أو الواقعية السحرية، التي لا تعيق الحميمية كما في صورة البار الخافت. هناك مجموعة لا يمكن تصنيفها ضمن الأعمال الإسبانية تحديداً، رغم أن جامعها هو الممثل الإسباني غابينو دييغو. ما نراه هو جزء من مجموعته المؤلفة من 300 جمعها لمصورين إسبان وآخرين في العالم. تضم «النساء والأطفال أولاً» بورتريهات وبعض الممارسات الجماعية والفردية في المدينة والأرياف في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات أشبه بصورة للشعوب، إذ تغطي أيضاً تقاليد وتجمعات في أوروبا وأفريقيا وآسيا. من الأرشيف أيضاً، واحتفالاً بالصورة المتوسطية، يستعيد الحدث أعمال الفرنسي وسفير الصورة «الإنسانية» إدوارد بوبا (1923 ـــ 1999) من خلال 40 صورة تضمها مجموعته «المتوسط». نتنقل بين اسبانيا وفرنسا ولبنان وواليونان والجزائر وتونس وبيت لحم (التي يضع بجانبها المنظمون الأردن، لا فلسطين، لسبب مجهول)، عبر لقطات انتروبولوجية للحروب والفقر، والحياة الريفية في النصف الثاني من القرن الماضي. إحدى أبرز المجموعات المشاركة هي «مسقط الرأس». بصوره التوثيقية الفنية، بالأبيض والأسود، يرسم أنطوان داغاتا بورتريهاً لمسقط رأسه مارسيليا، من خلال التجارب الفردية. هكذا تظهر صوره الغبشة والتائهة، حالات بشرية متطرفة كممارسة الجنس، والمخدرات وحياة التشرد ضمن أجواء كابوسية تائهة. حقن المخدرات، والأجساد التائهة في وضعيات مختلفة تبررها جملة المصور الذي يقول «أسعى إلى العيش مع أولئك الذي يفرح التصوير لمجرد التفرج عليهم».
لحن خفي تبعثه لقطات
الحياة اليومية من
المكسيك والبندقية

من الأعمال الجدية أيضاً، مجموعة «أولئك الذين يراقبوننا» للفرنسية إيما غروبوا. أين هو المكان الذي يجمع صور لاعبي الفوتبول والقديسين والموتى؟ عند الحلاق وفي محل الأحذية وفي المطعم، تطارد غروبوا هذه المساحات الحميمية التي تناسب كل الديكورات والأمكنة، مشكلة فسحة من الرجاء والأمل لأصحابها. إنها أشبه بأيقونات بسيطة تحرس الأمكنة، التقطتها غروبوا في صقلية بين عامي 2013 _ 2014. في «المعهد الفرنسي» أيضاً، يعرض أيضاً «أبواب حرة نحو إسبانيا: جبل طارق» للفرنسي آرنو برينيونز. انها منطقة محكومة بالتناقضات. المصور الفرنسي الذي يبدو مفتوناً بهذا الانفصام، ينقل إلينا الحياة اليومية لسكان الجبل عبر صور مخدوشة ومائلة بعيداً عن الاتزان والكادرات السهلة أو الجاهزة.
بعدما احتفى العام الماضي بالصورة الإيطالية، تعرض الآن صور أليساندرو بوتشينيللي. «لقد قطعت البحار السبعة...» عنوان المجموعة التي تضم صوراً التقطها لبعض الأغراض. قنينة بلاستيكية، وحذاء ممزق، وبقايا دمى، وكرة مهترئة هي الأغراض التي نراها أمام خلفية سوداء. بعدما «اصطادها» من مياه البحر، لجأ الفنان الإيطالي إلى تصوير هذه المقتنيات عبر أسلوب تسويقي كمنتوجات جديدة وفخمة وجاهزة للشراء. وهو بذلك يغسل عنها تهمة التلويث أو النفايات، ملقياً اللوم على الناس. أنجيلو أنتولينو إيطالي آخر يشارك في روبورتاج «نساء الكامورا». عام 2007، شهدت نابولي الإيطالية حملة اعتقالات كثيفة لرجال مافيا «الكامورا» في الأحياء الشعبية في نابولي. يصوّب أنتولينو عدسته نحو زوجات وأمهات هؤلاء الذين يبقين إلى جانب أطفالهن. تتقاطع الوجوه المتعبة مع الديكورات المتشقفة في الغرف، والأحياء الشعبية البائسة التي يعيشون فيها. محلياً، معظم الوجوه المشاركة، أتت مع غاليريهات دعاها المهرجان لاختيار مصوريها، باستثناء إلسي حداد، ورندا ميرزا ومجموعة كريم صقر الذي فاز بـ «جائزة فوتوميد» العام الماضي. في فندق «لو غراي» (وسط بيروت)، تعرض مجموعة إلسي حداد «بوغوتا» (2013). إنها لقطات وداعية لفندق بوغوتا ولتاريخه الحافل في ألمانيا، قبل تحويله إلى مشروع جديد. في الرواق وغرف الفندق والبار، تتنقل عدستها لالتقاط التفاصيل الصغيرة بالأبيض والأسود تاركة لنا صوراً خافتة. تظهر رندا ميرزا في مجموعتها «بيروتوبيا» التي شاهدناها مراراً، الشرخ المديني بين الواقع والمشاريع العمرانية المستقبلية في بيروت. أما كريم صقر، فيقدم بعض الصور المكرورة للشارع اللبناني، مثل بائع الكعك وسائق الأجرة.

«فوتوميد 3»: أماكن مختلفة في بيروت ــ حتى 11 شباط (فبراير) المقبل. للاستعلام:
http://photomedliban.com




غاليريهات لبنانية

يتعاون المهرجان هذه السنة مع 5 غاليريهات لبنانية تعرض بدورها أعمالاً لمجموعة من فنانيها في «مركز بيروت للفن». هكذا يوجه المهرجان تحية إلى الفنانين الشباب والمخضرمين عبر عرض مقتطفات من مجموعاتهم الفوتوغرافية. «غاليري تانيت» استضافت أعمالاً من Smoking Area و«مجهول» لجيلبير الحاج، وأخرى من «المرآة» للميا أبي اللمع. «آرت فاكتم» دعت أعمال تانيا طرابلسي وكارولين تابت. «غاليري جانين ربيز» قدّمت أعمالاً متميزة للارا تابت وأخرى من مجموعة «إنه نهار الأحد» لميريام بولس. «أجيال» استعادت الحياة الثقافية والفنية في لبنان السبعينيات من خلال أرشيف المصور العراقي وضاح فارس، وعمل "صفر" لهادي سي.، أما «أليس مغبغب»، فاستضافت صوراً من أرشيف عروض الأزياء لطوني الحاج.





فيديو آرت

يستضيف فضاء Station (جسر الواطي ــ بيروت)، 4 أعمال فيديو. «رائحة الجنس» (2008) هو عنوان الفيلم الوثائقي القصير لدانيال عربيد الذي يعرض اعترافات لأصدقائها في بيروت حول تجاربهم الجنسية، ترافق الصوت مقتطفات فيديو من أرشيف كاميرا سوبر 8، وبعض الأغنيات بصوت ياسمين حمدان. فيديو الإيطالية بياتريس بيديكوني «من دون عنوان» (2015)، يبقى ضمن الإطار الشكلي، عبر التصوير المجرد لحركة بعض السوائل على إيقاع الموسيقى. الفنان الفرنسي لويدجي بيلترام «برازيليا/ شانديغار» (2008) يبدو مشغولاً بأساليب التنظيم الإنساني من خلال التخطيط المديني والعمارة في القرن العشرين. يختبر الفرنسي آنج ليتشيا البرق والحركة المتكررة لعناصر المناظر الطبيعية عبر مقتطفات من أفلامه.