إنها مجزرة جماعية. بات (بعض) اللبنانيين والزمن، على مَن لجأ من سوريا إلى بلد الـ10452 كيلومتراً مربعا، بعدما راحت بعض وسائل الإعلام تشجّع على محاصرة النازحين السوريين بالعنصرية والظلم. رُمِي الطفل السوري الذي اغتُصب وقتل في حلبا مرتين، مرة بـ«كرتونة» في حاوية للنفايات، ومرة أخرى على أرصفة وسائل التواصل الاجتماعي، ومعها بعض وسائل الإعلام.
لم يشفع لمحمد صغر سنّه وحجمه، ولا مشاعر عائلته، لدى تلك «المؤسسات». تناولوه خبراً «جذاباً» لا أكثر، وافترشوا من صورته مخضباً بالدماء أروقة مساحاتهم «التجارية».
محمد، ابن الخمس سنوات، مات ميتةً «عنصرية». كون الضحية سورياً والجاني لبنانياً، فإن هذا لا يستدعي الاستنفار، هذا ما بدت عليه الصورة في الإعلام. كان عليه أن يكون لبنانياً وجانيه سورياً، لترتفع الحناجر عالياً داعية إلى احتضان القضية. أما الجريمة بشكلها هذا، فلم تستدعِ من بعض وسائل الإعلام تلك إلا خبراً مقتضباً، مع الصورة «العار» التي طعنت، بنشرها، روح الطفل المغدور مجدداً.

هرعت المواقع الإلكترونية إلى تبني «الصورة»، لا «القضية
هرعت المواقع الإلكترونية، ومعها وسائل إعلامية مرئية ومكتوبة أخرى، إلى تبني «الصورة»، لا «القضية». «صورة قاسية جداً خيرٌ من ألف حق»، هذا سعر السوق، لتستكمل بعدها نهارها الإخباري المعتاد، كأن «طفلاً لم يقتل»، لكنّ البعض طرح سؤالاً: ماذا لو كان الطفل المغتَصَب لبنانياً والمعتدي سورياً؟ لربما لم تشهد الساحة الإعلامية اللبنانية «استنسابية» أكثر من تلك التي «تنخر عظمها» اليوم. ثمة كيل بمكيالين يتصدر العناوين: أنتَ سوري، فتحمّل وزر ذلك! لا تزال قضية ميريام الأشقر الصبية المغتصبة من قبل سوري الجنسية، قرب دير سيدة البشارة (ساحل علما) في البال. لا تزال «الصرخات المدوية» المطالبة بأقسى العقوبات مسموعة، ولما تزل صفحات الجرائد الملأى تشهد على ذلك، وهذا حقّ، لكنّ ميريام اللبنانية هي تماماً كمحمد السوري. ضحيتان بهويات مختلفة. أما عن الإعلام في بلد «العجائب»، فهو جلادٌ مزاجي واستنسابي بامتياز.
في سياق «المهنية» نفسه، نشرت صحيفة «النهار» على موقعها، بالتزامن مع «ذبح الطفل محمد»، خبراً بعنوان: «توقيف 25 سيدة ضمن شبكة دعارة في الكسليك». يقدم الخبر، بحسب «النهار»، معلومات خاصة عن توقيف «نحو 25 سيدة وفتاة غالبيتهن من السوريات على ذمة التحقيق في قضايا دعارة وإدارة شبكات دعارة».
هذا الخبر يحاكي نظيره الذي أوردته الصحيفة نفسها، سابقاً، عن الحمار الذي شوهد في محلة «الاونيسكو»، عازيةً ذلك إلى النزوح السوري في لبنان. كذلك، ومن جملة «أخبار المسامير» تلك، أوردت الصحيفة في موقعها أمس خبراً عن إشكال حصل في سن الفيل بين «سوريين ولبنانيين»، حمل عنوان: «من برج حمود إلى سن الفيل... إشكالات السواطير تابع»، حاملاً في طياته دعوة غير مسبوقة إلى رفض «النزوح الكثيف»، وإلى تحميل السوريين عبء «مشاكل البلد» بأسرها... بعد كل هذا، أليس مقتل محمد جريمة جماعية؟