قال الراوي يا سادة يا كرام: وكان اللبنانيون يعيشون في سبات ونبات. حتى بات الهناء المطلق الذي نعموا به مصدر خشية من ارتفاع حالات الانتحار، جرياً على عادة الشعوب المفرطة السعادة. في ذلك الزمان القريب، لم تكن ثمّة بطالة ولا خلافات سياسية. كانت أنهار العسل تجري، قبل أن تصبّ في البحر. كان «الدرك» يتسلّون بـ«كش الذباب» في بلد خالٍ مما يُعكّر الصفو والصفوة. وكان المحسنون يجولون الشوارع بحثاً عن متسوّل واحد وسط الزحام، فلا يجدون، بل كانوا يفشلون في العثور على الازدحام أصلاً! فجأة، تغيّر كل شيء في ذلك العام المشؤوم.
كان عاماً كارثيّاً، وأين منه «عام الجراد» في «صخرة طانيوس» لأمين معلوف. لقد وصل الغزاة، واستحال النعيم جحيماً. مات الزرع، وجفّ الضرع. «تكركبت» البلاد، وانقلبت أحوال العباد. حتى أنّ نهر بيروت خلا من التماسيح! وعرفت البلاد سابقةَ الفراغ الرئاسي، واختلف الساسة في سابقة لم نألفها منذ أن كان لبنان!. والأنكى أنّ اللبنانيات حجزن لأنفسهن مرتبة الصدارة في قائمة «العنوسة». كيف ولماذا حدث ذلك؟ لا عليكم، ثمّة من تصدى بمهارة و«مهنيّة» لاكتشاف السبب. انبرت وكالة «الأناضول» التركيّة لهذه المهمّة، لتخرج بتحقيق بعنوان «العنوسة في لبنان بين «مطرقة» النزوح السوري و«سندان» الغلاء المعيشي» (نُشر الجمعة الماضي): «تبدو ظاهرة التأخر في سن الزواج عند النساء في ازدياد مضطرد بين الفتيات في لبنان، بسبب النزوح السوري الهائل إليه، وسهولة الارتباط بالفتاة السورية، غير المتطلبة غالباً». يورد التحقيق قبل أن يلتفت إلى بعض الأسباب «الثانوية» كالأوضاع الاقتصادية المتردية والغلاء وارتفاع أسعار الشقق.


تحقيق يضع
مسؤولية «العنوسة» في لبنان على كاهل اللاجئات

ويبدو أنّ الشهادات التي عرضها التقرير لبعض العازبات، لم تتنبّه إلى السبب «الجوهري» السوري. كذلك فعلت اختصاصية علم الاجتماع هيفا سلام التي تحدّثت عن أن «الزواج لم يعد الأولوية الوحيدة عند المرأة، لأنّها أصبحت متحرّرة جداً، وتسعى إلى الحصول على مناصب علمية رفيعة... ما يؤدي إلى انخفاض الرغبة في الزواج». لكن، ما لنا ولهذا الكلام. وحده وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس، وضع إصبعه على الجرح. الوزير وزير، وأصابعه خبيرة، ورؤاه عميقة. ولقد رأى أنّ «النزوح السوري الهائل إلى لبنان فاقم أزمة «العنوسة» عند اللبنانيات». قبل أن يوضح: «من أسباب ارتفاع «العنوسة» عند الفتيات في لبنان أنّهن يعتبرن التحصيل العلمي أولوية عكس التفكير الموجود عند الفتاة السورية التي تبتغي الاستقرار». كشَفَكِ معالي الوزير أيّتها الفتاة السورية، وكشفك التحقيق «الأناضولي». إيّاك أن تعترضي. إياك أن تقولي إن نسبة العازفين عن الزواج في لبنان من الجنسين ممن هم بين 25 و30 سنة كانت 90% عام 2009. لا تحاولي حرف الأنظار عن جريمتك. إيّاك أن تتساءلي: «لماذا لم تفكّر الوكالة التركية في مقاربة القضية من باب زواج القاصرات». إذ قال الوزير (ما غيرو) إن الفتيات اللواتي تحدث عنهن تراوح أعمارهن بين 15 و19. محاولاتُك مكشوفة، فمقاربة القضية من هذه الزاوية تحوّلك مجرمة إلى ضحية. لا بديل أمامك من الاعتراف بجريمتك، يا خطّافة العرسان!