«لماذا لا تكون كرة القدم موضوعاً للفن والأدب؟». تساؤل طرحه الشاعر محمود درويش (1941 ـ 2008) في قصيدة كتبها عن دييغو مارادونا في أعقاب مونديال 1986. يومها، كانت المباراة تجري بين الفريقين الألماني والأرجنتيني الذي فاز بفارق هدف. طرح درويش لم يأت من عبث. فكرة القدم مفقودة في الأدب العربي. أكثر من ذلك، قد يعدّ إيجاد كتاب يتناول موضوع الرياضة في لغة الضاد ضرباً من المستحيل. أما في اللغات الأخرى، فثمة كتب عدة تتحدث عن تلك الكرة ومختلف أنواع الرياضات. في ما يخص كرة القدم تحديداً، سنجد قصيدة درويش وحيدة. تلك التي استفاض فيها بمدح «الأرجنتيني» ونعى فيها نفسه والمعجبين بلاعبه الذي ترك فراغاً في حياة كثيرين بعد انتهاء المونديال. هكذا، يدخلنا درويش عالم كرة القدم وكواليسه، فيصور لنا مهارات مارادونا.
ويستحضر في وصفه أيضاً البعد السياسي والتاريخي للدول المتنافسة، معتبراً أن الفوز في البطولة تعويض معنوي للدولة الفائزة بقوله: «مارادونا يتقدم بالكرة من حيث تراجعت السلطة. مارادونا يعيد الجزيرة إلى الأرجنتين. وينبّه الإمبراطورية البريطانية إلى أنها تحيا في أفراح الماضي... الماضي البعيد».
يتساءل درويش عن «السحر الجماعي» لكرة القدم واللغز الذي لم يحل سره أحد. أما مارادونا، فلا يكترث لكل ذلك، كما يصف درويش. كرة القدم هي «كونه» الذي نشأ بين قدميه. يسرد طفولة الأرجنتيني الفقيرة ولعبه بكرة يصنعها من علب الصفيح ويلفها بالخيطان ليرتقي بعدها ويتصدر شاشات التلفزيون بموهبته الكروية. لا ينفك درويش يمدح لاعبه لينتقل بعدها إلى وصف اللعبة بالـ«البارود العاطفي» وتعامل الأدب معها. يقدم حججاً في محاولة لإقناع أهل الأدب أنّ كرة القدم وما تتخللها من مشاهد درامية وتقلبات نفسية ولحظات مصيرية تستحق الكتابة عنها. وهو الذي أمتعنا بالمباراة من خلال قصيدته التي استفاض فيها بوصف دييغو مارادونا في لعبه الساحر. يحن درويش لأمسياته ويحاول العودة لقراءاته لكنه يطلب من بطله مساعدته على ذلك بـ«حمل اسمك عن شفاهنا».

وجد سارتر أنّ اللعبة تختصر الحياة بكل تعقيداتها وقوانينها


استفاضة درويش الممتعة لا تشبه ما فعله الشاعر عباس بيضون في روايته «ألبوم الخسارة» (2011) حول مشاهدته مباريات المونديال. يمرّ على مقتطفات لمتابعته مراراً ويروي كيف يستمتع بمشاهدة اللعبة في الدقائق الأولى، لكنه سرعان ما يسهو بأفكاره. يعترف بأنّه ليس هاوٍ للعبة، لكن المونديال ــ برأيه ــ شيء آخر. اتخذ قرار الاهتمام بمبارياته والتزام متابعتها وحصل ذلك بالفعل.
قصص يتيمة عن المونديال نقرأها في الأدب العربي. أما غرباً، فقد شكّلت كرة القدم اهتماماً لدى مفكرين وروائيين. جان بول سارتر وجد أن اللعبة تختصر الحياة كلها بكل تعقيداتها وقوانينها. يتقاطع الروائي الفرنسي ألبير كامو مع الفيلسوف الوجودي بقوله: «كرة القدم باتت ثقافة حقيقية للعالم... لا تقل بأهميتها وضرورتها عن الرواية والشعر والسينما، فهي اللعبة التي تحمل ثقافة الشعوب ودرجة تحضرها». لعب صاحب «الغريب» كحارس مرمى في نادي «جامعة الجزائر» حيث كان يدرس، ما جعله يستنتج: «الكرة لا تأتي مطلقاً من الجهة التي تنتظرها. ساعدني ذلك كثيراً في الحياة، خصوصاً في المدن الكبيرة، حيث الناس لا يكونون مستقيمين عادة». حتى أنّ كامو يعترف بأنه يدين بكل ما يعرفه من أخلاق لكرة القدم «التي لا يكرهها إلا الأغبياء وحدهم».
أما أفضل مَن كتب عن كرة القدم، فهو الروائي الأورغواياني إدواردو غاليانو في كتابه «كرة القدم في الشمس والظل» (1995). يفصّل غاليانو اللعبة واللاعبين والجمهور والحكام والمدربين وكل من له دور فيها، بلا استثناء. يتحدث عن تاريخ اللعبة ومنشئها وكيفية انتشارها وتطوّرها. يؤرخ حقبة طويلة لبطولات العالم بين 1938 و1994. يذكر تفاصيل ووقائع حصلت أثناءها كنقل المباريات من خلال الأقمار الاصطناعية للمرة الأولى في مونديال 1966، بينما كانت تنقل تسجيلاً من قبل. يسلط غاليانو الضوء على لاعبين عالميين كالبرازيليين بيليه وآرثر فريدنريتش، والبرتغالي جوزيه مورينيو والأرجنتينيين ألفريدو دي ستيفانو ودييغو مارادونا... يستمتع القارئ بسرد غاليانو ووصفه تفاصيل المباريات، حين يصوّر لنا أحداث العالم والحروب والفوضى التي كانت كانت تتزامن مع مباريات كرة القدم. كتب الأورغواياني هذا العمل تكريماً لكرة القدم التي عشقها وتمنى أن يكون لاعباً ماهراً فيها. إلا أنّ الكرة أنكرته كما وصف، فوجد في الكلمات وسيلة للتعبير عما لم تستطع قدماه تحقيقه.