انقشعت غيمة «الأخطاء الفادحة» التي لطالما سيطرت على التغطيات المباشرة لوسائل الإعلام اللبنانية أثناء احتدام الأزمات، «المتفجرة» منها تحديداً. نجحت تلك الوسائل ــ بمعظمها ــ في التعامل مع «عاصفة الفوضى الخبرية» التي اجتاحتها، وتفاعلت بمسؤولية كاملة مع انفجار ضهر البيدر أمس.
بعضهم تميز، وبعضهم الآخر كان ذا أداء مقبول. شكّل الانفجار الانتحاري أمس اختباراً مفصلياً للشاشات اللبنانية. كان عليها أن تعيد إلى أذهان الناس صورة «حكيمة» لطالما شوّهتها «عبثية النقل المباشر» التي رافقت «عام التفجيرات» المنصرم. تنافست «الجديد» وlbci على صدارة النقل «الرشيد». تعابير متقنة ودقيقة، مع نقل صور ومقاطع من التفجير «مُحافظة» على أدبيات الصورة وخصوصية الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى الابتعاد عن «التكهنات والتحليلات» العشوائية؛ هذا هو المشهد على الشاشتين.
عرضت lbci فيديو خاصاً عن لحظات التفجير الأولى وحجبت المشاهد القاسية
على «الجديد»، لم يكُن أداء نانسي السبع جديداً: دقة ورصانة إخبارية. يبدو أنّ إدارة المحطة تداركت الأخطاء السابقة و«أوكلت» للسبع مهمة التنسيق المباشر على الهواء. كان ملفتاً مثلاً أنّ المذيعة أصرت على أنّ الهوية التي وجدت في سيارة التفجير (تعود للبناني من بلدة عرسال) قد تكون مزورة، وكررت ذلك مراراً على الهواء. ابتعدت السبع عن سابق إصرار وتصميم، عن الصور النمطية «القاتلة» التي تسيطر على الخطاب الإعلامي، وآثرت التروي. أما زميلتها راشيل كرم، فتميزت أيضاً بـ «حسّ مسؤول» تجاه «أمن اللبنانيين النفسي». أكدت كرم خلال كلمتها المباشرة من شوارع بيروت، على أن «لا هلع» يسيطر على حركة الناس، معتبرةً أن لا ضرورة للتهويل الذي ينعكس سلباً على اللبنانيين.
أما lbci، فقد عرضت فيديو خاصاً عن اللحظات الأولى للانفجار، وقد حجبت القناة المشاهد القاسية. أما مذيعها ماريو عبود، فقد انتقى بحذر أسئلته للمداخلات المباشرة وللمراسلين. من جهتها، تأخر قطار قناة otv في اللحاق بركب الحدث. اقتصر النقل «الأولي» على تحليل سياسي من جوزفين ديب بالتزامن مع عرض صور مأخوذة من مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن التقطت المحطة أنفاسها وعادت للتغطية «الطبيعية».
عربياً، وتحديداً خليجياً، فـ «التبرير» لا يزال يكلل أخبار «الجزيرة» و«العربية» المتعلقة بكل حدث «إرهابي». تعمدت القناتان التهرب من المعلومات القائلة بانتماء الانتحاريين إلى جماعات إسلامية متطرفة، وخيّمت اللغة التبريرية على خطابهما إزاء منفّذ العملية وطبيعتها. حاولت «الجزيرة» مثلاً التهرب من ذكر تفاصيل الانفجار، والاكتفاء بحيز ضيق له على مساحتها. كذلك، أهملت المحطة حملة «اعتقالات نابليون» في منطقة الحمرا. أما «العربية»، فكررت مصطلحات كـ«يُقال أنهم إرهابيين، …».
وبما أنه أصبح نجماً في الآونة الأخيرة، لا بد من الإشارة إلى «ضعف» أداء «تلفزيون لبنان» في نقل مجريات الانفجار، والإشارة إلى أنّ الأمن، تماماً ككرة القدم من اهتمامات الناس وحقوقهم أيضاً.