«يا ليت داعش تطلب نصح ديك تشيني... كان ذلك ليخدم الولايات المتحدة (في مواجهتها)»، «ديك يريد أن ينسى التاريخ ويكتب نسخته الخاصة منه»، «هل فقد تشيني صوابه؟»، «هذا الرجل جريء الى درجة الوقاحة»... لم يهاجَم نائب الرئيس الأميركي السابق (خلال عهدي جورج والكر بوش) على كل ما ارتكبه خلال سنوات حكمه كما هوجم خلال الأسبوع الماضي.والسبب هو إطلالات إعلامية للمسؤول الأميركي السابق كرر فيها أنّ «ما يحصل حالياً في العراق هو خطأ باراك أوباما بعدما قرر الانسحاب من هناك» وأنه ما زال واثقاً أن «الحرب على العراق عام ٢٠٠٣ كانت خياراً صائباً».

إذاً، وبدل من أن يلزم مسؤولو إدارة بوش السابقين الصمت، خصوصاً من الذين أسهموا في تضليل الرأي العام الأميركي والعالمي وشنّوا حرباً مكلفة على العراق ما زالت المنطقة تدفع ثمنها غالياً، ها هو ديك تشيني ينطق باسمهم من دون خجل أو تردد. أحد صقور المحافظين الذي كان أول من سوّقوا لكذبة أن صدام حسين «يمتلك أسلحة دمار شامل تهدد أمن الجميع»، خرج ليبدي عدم ندمه على ما فعل وليتنصل من كل خطأ ارتكبته إدارة بوش ويلقي كل اللوم على أوباما.
اللافت في الحدث هو أنّ معظم الردود التي جاءت على تصريحات تشيني كانت من صحافيين وإعلاميين ولم تقتصر فقط على سياسيين (مثل بيل كلينتون والسيناتور راند بول وغيرهما). معظم المؤسسات الإعلامية الاميركية هاجمت تشيني وذكّرت بكارثة غزو العراق والحملات الكاذبة والاستراتيجية الفاشلة التي أدّت الى أزمة العراق الحالية برأيهم. كمن يتلو فعل ندامة لكن متأخراً ١١ سنة، بدا الصحافيون الذين أرادوا استغلال فرصة «وقاحة» تصريحات تشيني ليكتبوا ما لم يكتبوه قبيل الغزو وخلاله وبعده.
هل هو خوف حقيقي هذه المرة من تهديدات «داعش»؟ أم هي خدمات دعم للرئيس أوباما؟ هل الأسباب سياسية بحتة أم أنّ المهنية والعقلانية استفاقتا في نفوس معظم الصحافيين الاميركيين فجأة؟ لن نعرف أبداً. ولكن من يجمع المقالات التي نشرت خلال الاسبوع الماضي ومن يشاهد تعليقات البرامج الفكاهية والسياسية يرى بغضاً معلناً لكامل الحقبة السابقة ـ فترة حكم جورج والكر بوش ـ ورموزها وأحداثها.
والتر بينكوس في «ذي واشنطن بوست»، ذكّر بتصريحات تشيني النارية الواثقة قبيل حرب العراق وخلالها حول «كيف سيعمّ السلام في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام صدام». بول وولدمان في الصحيفة ذاتها يلفت الى أن تشيني في تصريحاته الأخيرة لا يقول لنا ما الذي كان ليفعله وزملاؤه في الإدارة السابقة بشأن الأزمة العراقية الآن. ويذكّر أيضاً بأن الرئيس بوش هو من وقّع اتفاقية سحب الجنود من العراق وليس أوباما، ما يجعل اتهام تشيني للرئيس الحالي باطلاً.
جوان وولش على موقع «صالون» كتبت أنه يبدو أنّ «تشيني يجلس في منزله ويتخيّل هجمات إرهابية بالأسلحة النووية»، معلّقة على توقّع تشيني قبل أيام في مقابلة إذاعية أنّ «أمراً ما أسوأ من هجمات ١١ أيلول سوف يحصل قريباً». «هل فقد تشيني صوابه؟» سألت وولش بتهكّم. المعلّق الكوميدي الشهير جون ستيوارت سخر بدوره مما ردده تشيني خلال الأسبوع الماضي وقال بتهكّم «يتحدّث تشيني كما لو أنهم (أي إدارة بوش) كانوا على وشك تحقيق انتصار ساحق في العراق قبل أن يأتي أوباما ويخرّب كل شيء!».
أما في صحيفة «ذي لوس أنجليس تايمز»، فقد نشر دايفد هورسي رسماً كاريكاتورياً يصوّر تشيني جالساً مع عناصر من المجموعات الإسلامية المتطرفة في العراق يحتسي الشاي ويدلي اليهم بنصائحه فيقول «أولاً، افترضوا أنكم ستُستقبلون من قبل الشعب كقوات تحرير»... ويردف المقال المرافق للرسم أنّه «لو يقدم تشيني النصائح الهدّامة ذاتها لـ«داعش» كالتي قدّمها خلال حكمه للولايات المتحدة فهو سيسدي خدمة كبيرة للبلاد». مقال هورسي يذكّر بأن تشيني يعدّ أحد مهندسي الحرب على العراق الى جانب دونالد رامسفيلد وبول وولفوفيتز. ويقول إن نتائج ما فعله هؤلاء بسبب حربهم على العراق عام ٢٠٠٣ هو «الفوضى وعدم الاستقرار والإرهاب وحروب مذهبية دامية تمتد من ليبيا الى سوريا». مقالات أخرى في صحف ومجلات أميركية ذكّرت أيضاً بأعداد القتلى في صفوف الجيش الأميركي ومن المواطنين العراقيين، لتشجب ما قاله تشيني حول «خيارهم الصائب في غزو العراق حينها».
لكن، ماذا لو قامت قيامة كل هؤلاء الصحافيين وغيرهم قبيل الحرب على العراق قبل عشر سنوات؟ ماذا لو لم يسهم الإعلام الأميركي في التسويق عمداً للحرب التي يلعنها الآن؟ جميل أن يحاسب المسؤولون الأميركيون السابقون الضالعون في غزو العراق على صفحات الجرائد الأميركية ولكن ما نفع ذلك الآن بعد فوات الأوان؟




«غير لائق»

في مقابلة على شبكة «إن بي سي» الأميركية، وصف الرئيس السابق بيل كلينتون (الصورة) كلام ديك تشيني بـ «غير اللائق». وتناقلت وسائل الإعلام تصريحات كلينتون فيما احتجّت بعض المؤسسات الاخرى ذات الخط المحافظ على ذلك. «لم تكن النزاعات المذهبية الدامية التي تشهدها العراق الآن لتحصل لو لم تذهب أميركا في عهد بوش الى الحرب عام ٢٠٠٣»، قال كلينتون مضيفاً: «إدارة أوباما تنظّف الفوضى التي خلقها هو (تشيني) في العراق». شبكة المحافظين التلفزيوينة «فوكس نيوز» أعطت لتشيني مساحة للردّ على الرئيس السابق، فقال: «إن كلينتون أيضاً كان يعتقد أن صدام حسين يمتلك أسلحة دمار شامل».