نالت نصيبها من هول الفجيعة. أما روحها، فستحلّق عالياً في رحلة بحث عن وطن أجمل، لا تموت تحت سمائه الفراشات بقذيفة هاون. حتى ولو لامس جسدها التراب البارد، فالأرواح البريئة لا تعرف طريقاً للفناء. تلك هي خلاصة حكاية الممثلة السورية سوزان سلمان (1983 ـــ 2014) التي أجبرتها قذائف الغدر أن تلتحق باكراً بقطار الراحلين. ليس غريباً على الكارثة السورية أن يصبح الموت المفاجئ لاعباً بارزاً في يوميات سكان دمشق ويحقق في أماكن عدة ما تعجز عنه الحياة.
هو اليوم يمنح الشهرة لممثلين شباب كانوا يستحقون مزيداً من العطاء والمجد... فإذا بالموت يعجّل بخطفهم وهم في بدايات مشوارهم الفني ويحولهم نجوماً افتراضيين سرعان ما يخبو بريقها لمجرد وصول دفعة جديدة من الموتى النجوم! سبق أن فعلها الموت خنقاً قبل بضعة أشهر مع الممثلة الشابة غدير شعشاع، وقبلها الممثل طارق سلامة مع ابنه أثناء محاولة نزوحه من مخيم اليرموك في دمشق! وها هي القذائف العمياء تضع حداً للأحلام الصغيرة التي عاشت سوزان سلمان من أجلها. وربما يكون المشوار الحقيقي قد بدأ فعلاً وفتح باباً للطفلة المتنكرة بثياب ممثلة أن تمضي بعيداً من كل هذا الخراب. لسنا بحاجة إلى الكثير من الوقت حتى نتعرف إلى الصبية الشقراء الودودة وتاريخ حياتها القصيرة، لأنها كانت مجرد مثال ينسحب على غالبية الممثلين السوريين الشباب خصوصاً من عاندهم القدر وتزامن تخرجهم من المعهد العالي للفنون المسرحية مع بداية الأزمة السورية. من قرية السودا الوادعة قرب بحر طرطوس وجبالها الساحرة، زحفت سوزان بكل ما ملكته من تصميم ومخيلة خصبة نحو حلم التمثيل حتى وصلت أعتاب المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وتخرجت منه متفوقة رغم الفقر الذي جعلها تقيم لدى أقربائها في العاصمة. تخرجها سنة 2011 أوهمها بأن الفرصة تنتظر موهبتها وراء الباب، خصوصاً أنّها جسدت سريعاً دور بطولة في مسلسل «العقاب» مع المخرج رشاد كوكش. لكنها كانت تجهل السير في الزواريب المظلمة للوسط الفني، فتعثرت في الوصول إلى فرص حقيقية تجاري حضورها الطفولي البارع. هكذا، اقتصرت مشاركاتها التلفزيونية على تجارب لا تتعدى أصابع اليد الواحدة مثل «شيفون» لنجدة أنزور و«يوميات مدير عام2» لزهير قنوع و«كريزي» لمصطفى البرقاوي. لذا راحت الممثلة الشابة توزع جهودها على مشاريع صغيرة برفقة حفنة من أصدقاء يقاسمونها الهاجس وفقر الحال. من مسرح الدمى إلى أفلام سينمائية قصيرة مع المخرج المهند كلثوم وأخرى مسرحية مع الكاتب سامر محمد اسماعيل. لم يمنعها الترحال بين غرف الإيجار عن التوقف ولو لبرهة. بل منحتها الإقامة أخيراً في أحياء دمشق القديمة سكينة مختلفة وفرصة للتفكير مجدداً برفقة زميلتها الممثلة ربى الحلبي للوصول إلى اجتهاد فني يخلق من العدم في زمن الموت المجاني. لكن في لحظة تتخطى كل ما صنعته الدراما من تراجيديا، تعود سوزان إلى باولو كويلو فتجتزئ له جملة من رواياته وتدونها على جدار صفحتها الشخصية على الفايسبوك «كل شيء مسموح إلا أن تعرقل تجلياً للحب» ثم تهرع مسرعة فتسرد آية من الذكر الحكيم! قبل أن تعلن أن الموت صار أقرب إليها من حبل الوريد وأن القذائف تنهمر على جارتها. ثم تسقط صريعة إثر شظية أصابتها بمقتل. وتتحول إلى نجمة تتوزع صورها الأنيقة على كل الوسائل الإعلامية التي كانت غافية عن حياة أمثالها.