في جديده «زولو» (2013)، يقدّم الفرنسي جيروم سالي (1967) فيلماً مربكاً كثير المشاكل والهنّات، حتى أنّه من المستغرب أن يكون هذا الشريط ختام «مهرجان كان 2013». جنوب أفريقيا هي مسرح الحدث: تاريخ زاخر بالعنف والدم في ظل الأبارتهايد، وعنصرية ما زالت آثارها طافية على السطح وعالقة في تكوين الضابط علي سوخيلا (فورست ويتاكر) الذي يكبت ذكرى حرق والده أمام عينيه ويقوم بالتحقيق في جرائم قتل وحشية مع زميله برايان إبكين (أورلاندو بلوم). هذا الأخير لا يبدو أفضل حالاً. ابن يكرهه وكثير من الكحول والجنس والضغط اليومي. الاثنان ميتان من الداخل، يفجّران ذلك في العمل وضمن محيط اجتماعي مضطرب وعلاقات متوترة.
الموضوع أكبر من جرائم قتل عادية بطبيعة الحال. وراء الأكمة مؤامرة كبيرة تتعلّق بتجارب كيماوية وعقار يطلق الغرائز الوحشية لدى متعاطيه. قبائل الزولو ما زالت بيننا وداخلنا. هم نحن عندما تتوافر الظروف لذلك.
يُضَاف إلى ذلك سوداوية الشخصيات وعوالمها المظلمة التي تنقل طرح الفيلم إلى مستوى أعلى من مجرّد فيلم جريمة تشويق.
هنا تبدأ مشاكل الشريط. سالي البارع في توليف حبكات التشويق ومشاهد الأكشن (مؤامرة بورن ــ 2011)، لم ينجح في إضافة اللمسة القادرة على التصدّي لكل ذلك سواءً على مستوى النص أو الأسلوبية التي بقيت على السطح. تشعّب في خلق أزمات اجتماعية لشخصيات غير مؤثّرة، فاجترح بنية متشظية تفلّت منها الإيقاع في كثير من الأحيان. بعض الخيوط غير مجدية ولم تكن ولّادة لما يمكن البناء عليه ضمن سيرورة الفيلم. هكذا، لم ينجح صاحب «أنطوني زيمر» (2005) في فرض إيقاع درامي محكم، كما فعل آلان باكولا في The Pelican Brief (1993) أو ريتشارد دونر في «نظرية المؤامرة» (1997). أيضاً لم يستغل ثنائية المحقق الأبيض/ الأسود كما ينبغي في بلد تعجّ شوارعه الجانبيّة بمافيا المخدرات والسلاح والعوالم السفلية.
على صعيد الأداء، لا يبدو أنّ أورلاندو بلوم سيختلف عن السابق في انطلاقته المهنيّة الجديدة. بذل جهداً ليبدو مأزوماً أسيراً لماضيه وهواجسه من دون أن يحقق اختراقاً لسقفه المعتاد. في المقابل، يبدو ويتاكر أكثر تمكّناً وقتامةً، فهو يحترق من الداخل ويموت ببطء. يبتعد عن كل خيط مضيء في حياته، عدا أمّه التي تبقي بقعة حيّة داخله.
تبقى مشاهد الصحراء الأخيرة موفقة. عاد حفيد الزولو إلى أصله ليصطاد فريسته ويقتلها بدم بارد رغم أنّه ممثّل القانون والعدالة. نعم، ما زالت تركة الأبارتهايد ثقيلة وحضورها شرساً، ولا يبدو أنّ ذلك سيتغيّر قريباً.