غزّة | لطالما شكّل برنامج «لأجلكم» نافذة ضيّقة يتواصل الأسرى الفلسطينيون من خلالها مع ذويهم وأقاربهم. لكن الأيادي النافذة سرعان ما نالت من فسحة الأمل هذه.نزلت إدارة «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» عند رغبة النافذين، ورضخت للتهديدات. هكذا، لم توفّر قناة «فلسطين» التي تعرض البرنامج الحماية لمقدمته منال سيف، ومخرجه محمد عمرو، بل مارست عليهما ضغوط المهنية.

تعسّف رئيس مجلس أمناء الهيئة، رياض الحسن، وصل إلى حد منعهما من دخول مقر التلفزيون في رام الله، بذريعة انتقاد سيف للرئيس الفلسطيني محمود عباس في برنامجها، و«التطاول على الأجهزة الأمنية وابتزاز جمعية «نادي الأسير الفلسطيني» في آخر حلقة (22 أيّار (مايو) 2014)». لكن المذيعة والمخرج أعلنا، أوّل من أمس، الإضراب عن الطعام، والاعتصام في مبنى التلفزيون حتى تدق ساعة الإنصاف.
اندلعت شرارة هذه الأزمة حين استضافت سيف في أيّار (مايو) الماضي بعضاً من أهالي أسرى حركة «حماس»، وصوّرت إحدى الحلقات في «جامعة الخليل». بعدها، وصلت رسائل تهديد بالقتل إلى صفحتي سيف وعمرو الفايسبوكيتين، كما حاول «نادي الأسير» إعادة هيكلة البرنامج وفقاً لمصالحه الضيّقة.
خطوة تدلّ على أنّ النادي كان يرنو إلى إحكام قبضته على البرنامج وإقصاء عمرو وسيف، بعدما هدما التمييز المصطنع بين أسرى مختلف الفصائل الفلسطينية.
وكانت منال سيف قد اتهمت النادي بالتحريض ضد طاقم البرنامج، والإصرار على غربلة الضيوف.
رغم إطلاعها على فحوى التهديدات، غير أنّ إدارة تلفزيون «فلسطين» خذلت الثنائي، ووافقت على إيقاف البرنامج مؤقتاً حتى تتم تسوية الأمور. موافقة، كانت تمهّد فعلياً لسحب صلاحيات إدارة «لأجلكم» من سيف وعمرو، رغم تأكيد مدير البرامج، خالد سكر، آنذاك أنّ البرنامج لن يُشطب من الخريطة البرامجية، بل سيتم إلباسه ثوباً جديداً يتلاءم مع معاناة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لكن سرعان ما انحاز الحسن إلى «نادي الأسير»، إذ أوقف منال سيف ومحمد عمرو عن العمل (4 أشهر للأولى و5 للثاني) مع خصم نصف راتبهما.
العقوبات الصادمة أغضبت الصحافيين الفلسطينين، جرّاء كشفها الفساد والخلل المستشريين في تلفزيون «فلسطين». هنا، قالت سيف، متحديّةً الحسن: «هذا التلفزيون ملك الحكومة والشعب، وليس دكاناً لرياض الحسن الذي لا يدفع لي راتبي من ماله الخاص»، كما خطّت وزميلها شعارات رُفعت خلال الاعتصام، مثل: «مؤسستي هي خيمتي. لا يحق لأي جهة طردي منها».
البرنامج الذي يحظى بنسبة مشاهدة عالية بين صفوف الأسرى، ليس بعيداً عن مرمى الإسرائيليين أيضاً. فقد لوّح الاحتلال مراراً بالتضييق على عمل «فلسطين» إذا استمرّت في عرض «لأجلكم»، على اعتباره وسيلة لتبادل المعلومات بين الأسرى ومحيطهم الخارجي.
هذه المعطيات تشي بهشاشة بنية المحطة الرسمية، وحيادها عن الأجندة الوطنية تماهياً مع أطراف داخلية نافذة، أو مع العدو الصهيوني. كما توحي بدور القناة في سحق العاملين وإهانتهم. «فلسطين» ما هي إلا صورة مصغّرة عن مشهد سلطوي قاتم يرى القدسية في التنسيق الأمني، فيما يعتدي جهاراً على عائلات الأسرى!