ما الذي يحدث للدراما السورية؟ وهل تفوقت فعلاً على الحرب الدائرة في بلادها وانتفضت من تحت الرماد أم أنّ غالبية الأعمال تعاني المقاطعة من المحطات الكبرى في ظل هجرة أبرز نجومها؟ ربما يجنح بعضهم في الطرح الأول معولاً على قدرة الشركات التي تعمل في دمشق على الالتفاف مستقبلاً على أهم الفضائيات وإبرام اتفاقات قوية معها تجنّبها خساراتها المالية المتتالية. لكن هذا الموسم، فـ «الماء كذّب الغطاس» كما يقول المثل الشعبي. تلاشت نشوة التفاؤل بكمّ الأعمال الجيدة، لصالح مرارة الواقع الفضائي الذي حسم الأمر.
لم يحظ أي مسلسل سوري من الأعمال التي صنعت في الشام بتسويق جيد، بدءاً من مسلسلات «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» (قربان» لرامي كوسا وعلاء الدين كوكش، خماسيات و«الحب كله» لمجموعة كتاب ومخرجين) التي تعرض على المحطات المحلية وبعض التلفزيونات الحليفة لها، مروراً بأعمال «سما الفن» («سورية الدولية» سابقاً) المملوكة لمحمد حمشو، وكادت هذه الأعمال أن تبقى حبيسة محطته «سما» والقنوات الرسمية، لولا قدوم الفرج من lbci في الساعات الأخيرة. هكذا، اشترت القناة اللبنانية «بواب الريح» لخلدون قتلان والمثنى صبح و«الحقائب» (ضبوا الشناتي) لممدوح حمادة والليث حجو. ونتيجة الموسم المضروب، اضطرت الشركة ذاتها لبيع مسلسلها الأهم «بقعة ضوء 10» لعامر فهد إلى «المنار». الأخيرة راحت تشفّر حوارات الممثلين بالطريقة التقليدية المعروفة عنها بإدخال صفير فوق الكلام، ثم غيرت الشارة التي وضعها طاهر مامللي وغنتها ديما أورشو منذ 14 عاماً من دون رأفة بالعمل الساخر الذي يعتبر تتره وفواصله ماركة مسجلة له.

mbc و«روتانا» و«دبي» و«أبو ظبي» لم تشترِ مسلسلات تشارك فيها أسماء محددة

أما أعمال «قبنض»، فلم تكسب تسويقاً معقولاً إلا ببيع مسلسلها الشامي «طوق البنات» لأحمد حامد ومحمد زهير رجب إلى قناة «المستقبل». أما أعمال «غولدن لاين» أي «الغربال» لسيف حامد وناجي طعمي، و«خواتم» لناديا الأحمر وناجي طعمي، و«صرخة روح2» لمجموعة كتاب ومخرجين، و«مرايا الوجوه» لفتح الله عمر ومروات بركات، فقد بيعت بأسعار زهيدة على مبدأ «السلة» لتلفزيون «الجديد» وبعض محطات الدرجة الثالثة. في هذا الإطار، يفصح مصدر مطلع لـ «الأخبار» بأنّ «المحطات الخليجية مثل mbc و«روتانا» و«دبي» و«أبو ظبي» وغيرها أعادت هيكلة نفسها مجدداً ضد الدخول في معمعة الأزمة السورية، فامتنعت عن شراء مسلسلات تشارك فيها أسماء محددة بسبب مواقفها السياسية مثل دريد لحام مع مقاطعة الشركات التي صورت أعمالها في دمشق على اعتبار أنها تتقصد إيهام الجمهور العربي بأن الحياة مستمرة بشكل طبيعي في مدينة الياسمين («سما الفن»، «المؤسسة العامة...»، «غولدن لاين»، «قبنض»). ويضيف المصدر أنّه «لو حدثت استثناءات بسيطة، فستكون خارج الموسم الرمضاني حتماً، وستدفع المحطات أسعاراً زهيدة مقابل المسلسلات السورية».
في السياق ذاته، بات واضحاً أن الفضائيات تلك تدير ظهرها لغالبية الأعمال التي تدخل في لب «الثورة» وصنعت بأياد سورية خالصة. أكبر دليل هو ما تعرّض له المنتج هلال أرناؤوط من خسارة فادحة بعد فشل شركته «إيبلا» في تسويق مسلسلها المميز «قلم حمرة» (يم مشهدي وحاتم علي) لمحطات مهمة، وذهب عرضه حصرياً لـ«السومرية» المغمورة رغم جودة المادة البصرية التي صنعها صاحب «التغريبة الفلسطينية» وحنكة النص الذي كتبته مشهدي، وتجسيد بطولته من قبل أهم النجوم السوريين منهم: عابد فهد وسلافة معمار وكاريس بشار ورامي حنا ودانا مارديني. أخيراً، يلتفت المشاهد هذا الموسم إلى حفنة من نجوم الدراما السورية كجمال سليمان وتيم حسن وقصي خولي وباسل خياط وقيس الشيخ نجيب وعبد الحكيم قطيفان. وقد بات هؤلاء يعملون خارج سوريا لتعذر عودتهم بسبب الظروف الأمنية، أو لانشغالهم بأعمال مصرية وأخرى عربية مشتركة تضيع منها البوصلة لتنطحها إلى قصص حب طويلة وخيانات زوجية مكرورة وصراعات رجال أعمال ولا تلتفت إطلاقاً إلى الواقع السوري الجديد.