الرباط | يبدو أنّ القنوات المغربية الرسمية لم تتعلّم من أخطائها السابقة، وتمعن في المسّ بالكرامة الإنسانية. بعد الفضيحة التي أثارها برنامج «الكاميرا دارتها بيا» (ميدي 1 تي في) في رمضان الماضي عندما عرض مقاطع تتضمن عبارات عنصرية ضدّ الأفارقة، ها هي «القناة الثانية» (دوزيم) تمرّر إعلاناً مهيناً للمرأة، إذ تشبّهها بالـ«عقاب» أو الـ«عبء» الذي يجب التخلّص منه في أقرب فرصة وبأيّ ثمن.
وقد أثار الإعلان التجاري لمجموعة «الضحى» المتخصّصة في مجال العقارات، موجة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. مواقع طالبت بضرورة حذفه من خريطة الإعلانات التجارية للقناة. يظهر في الإعلان الممثل المغربي الكوميدي البشير السكيرج، وهو يصف بناته الأربع بـ«العقوبات»، بعدما قام بطرحهن في المزاد العلني. كذلك تذهب وقاحة أصحاب سيناريو الإعلان المسيء إلى أبعد من ذلك، إذ يطالب السكيرج المقدّم التلفزيوني رشيد العلالي (يظهر معه في الإعلان) بالزواج ببناته دفعة واحدة، قبل أن يفاوضه ليتزوّج ثلاثاً، أو اثنتين، أو حتى واحدة فقط. هكذا إذاً، تحوّلت المرأة في هذا الإعلان إلى ما يشبه «بضاعة فاسدة» يريد صاحبها التخلّص منها بأيّ ثمن كي لا تبور.
يبدو أنّ حملة الاستنكار الواسعة التي أُطلقت على فايسبوك وتويتر قد استنفرت إدارة «القناة الثانية» التي توصّلت، بحسب ما سُرّب من أخبار، إلى صيغة اتفاق مع شركة «الضحى» لإيقاف بثّ الإعلان. خطوة، أتت بعدما رأت اللجنة الداخلية المكلّفة ميثاق تحسين صورة المرأة التي أنشأتها القناة غداة الاحتفال بـ«اليوم العالمي للمرأة» هذه السنة، أنّ الإعلان يمكن أن يبعث برسائل سلبية بخصوص وضع المرأة وكرامتها. ويمكنه أيضاً أن يكرّس صورة سلبية عن المرأة في الإعلام المغرب.
صحيح أنّ المسألة تتعلّق بوصلة فكاهية تمثّل أسلوب البشير السكيرج، لكن مسؤولي القناة طلبوا من الشركة المعنية استبدال الإعلان بآخر تفادياً لأيّ خسائر أو إخلال بالعقد المبرم بين الطرفين. ويرى المراقبون أنّ مسارعة «القناة الثانية» إلى تدارك الهفوة الفادحة التي ارتكبتها، يهدف إلى إستباق أيّ قرار قد يصدر عن «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» (الهاكا)، والمكلّفة مراقبة المواد التي يعرضها الإعلام الرسمي والخاص، وخصوصاً أنّ تمرير أي إعلان يخالف التوجّهات الرسمية للسلطات العليا ومضامين الدستور، قد يعرض إدارة القناة لغضب هذه الجهات. علماً بأنّه لم يصدر أيّ رد فعل عن «الهاكا» حتى اللحظة.
أدّت هذه السقطة الإعلامية المدوّية إلى تمرير رسائل منافية للمواثيق العالمية لحقوق الإنسان التي صدّق عليها المغرب والتزمها، كما طرحت علامات استفهام جوهرية حول آليات مراقبة الإنتاجات المختلفة التي تُعرض عبر الإعلام الرسمي، ومدى خلوّها من إشارات تمييزية أو تحقيرية للمرأة أو انتقاص من كرامتها. فمعظم الأعمال الفنية المعروضة ما زالت تروّج لصورة نمطية عن المرأة المغربية مفادها أنّها وجدت لـ«خدمة الرجل، والزواج، والإنجاب».