انشغال أوروبا باللاجئين يزيد يوماً بعد يوم، وقد اختارت بلدان عدّة في القارة العجوز أخيراً تشديد الخناق عليهم. كل ذلك وسط استمرار تدفّق أعداد هائلة من الهاربين من نيران الحروب إلى أوروبا عبر البحر. إنّه المكان الذي تحوّل بدوره إلى مقبرة حقيقية لأصحاب المآسي.
بعيد نشرها تقريراً عن وفاة 45 شخصاً على الأقل في بحر إيجه بعد غرق مركبين في جزيرتين يونانيتين، خرجت «واشنطن بوست» قبل خمسة أيّام على قرّائها بتجربة صحافية مختلفة وغنية تتناول هذا الموضوع. ضمن زاوية «غرافيكس» التي أطلقتها في عام 2014، تأخذ الصحيفة الأميركية زوّار موقعها الإلكتروني في رحلة متعدّدة الوسائط مع اللاجئين باتجاه جزيرة لسبوس اليونانية، تحت عنوان The Waypoint (الإحداثية). هنا، يشعر المرء كأنّه على متن القارب الصغير الذي بدأ يقترب من شواطئ هذه الجزيرة التي تستقبل يومياً نحو 50 قارباً، بحسب تقديرات الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتعد البوابة الرئيسية إلى أوروبا بالنسبة إلى اللاجئين السوريين والأفارقة.
منذ بدء تدّفق اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر وازدياد حالات الغرق والموت بينهم، عمد الكثير من الصحافيين الأجانب والعرب إلى متابعة الموضوع عن كثب. ولعلّ أقرب التجارب إلى ما تقدّمه «واشنطن بوست» اليوم هو ما فعله الصحافي البريطاني جون دوموكوس، حين تمكّن في أيلول (سبتمبر) 2015 من توثيق لحظات كثيرة وصياغتها بلغة واقعية بحت، ووضعها في فيلمه الوثائقي «السير معاً: رحلة عائلة سورية إلى قلب أوروبا» (17 دقيقة). العمل بثّه موقع صحيفة «غادريان» البريطانية ليظهر بالصوت والصورة درب الجلجلة الذي يسير عليه اللاجئون. دوموكوس لم يكن الوحيد، لأنّ مراسلة «سكاي نيوز» ألكس كروفورد، اختارت مرافقة لاجئين سلكوا طريق البحر من أزمير التركية إلى الشواطئ اليونانية (الأخبار 15/9/2015).
في The Waypoint (تحقيق: صامويل غرانادوس وزيون مورفي وغريف ويت ــ صور وفيديو: زيون مورفي وصامويل غرانادوس ــ بالتعاون مع كيفيك شاول وإيميلي تشو وكات داونز)، تبدأ الرحلة على صوت أمواج البحر مع صورة من الأعلى لقارب صغير مكتظ بالركاب، الذين يعبرون البحر آتين من تركيا. يمكن وصف هذه التجربة بأنّها «تحقيق غرافيكي» يمزج بين الكتابة والصوت والصورة والمقابلات والفيديوات وغيرها من العناصر التي تُغني المحتوى وتوصله إلى المتلقي بطريقة سلسة ومختصرة وتفاعلية. من خلال لوحة المفاتيح، نمرّ على معلومات عبر لقطات فيديو تصوّر عمليات إنقاذ، وأخرى للمسؤول في خفر السواحل اليوناني أنطونيوس سوفياديليس وهو يتحدّث للكاميرا عن الصعوبات ويذكر أرقاماً عن عدد الأشخاص المنقذين على شواطئ لسبوس. نرى أيضاً الأطفال وذويهم ينتظرون، ويعبّرون عن سعادتهم لنجاحهم في عبور البحر، إضافة إلى متطوعين يلعبون مع الصغار في السن، فضلاً عن شهادات لمتطوّعين من دول عدّة ـ غالبيتهم من أوروبا. بعدها، نرافق طالبي اللجوء في طريقهم إلى أماكن إقامتهم المؤقتة، ونستمع إلى بوريس شيشيركوف من المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة يتحدّث عن واقع اللجوء اليوم وأسبابه، ولا سيّما في لبنان وتركيا والأردن.
بعدها، يأخذ اللاجئون أرقاماً لإجراء المعنيين مقابلات معهم، قبل أن تبدأ عملية «الفرز». إحدى مراحل الرحلة تتمثّل في شهادات لاجئين عن صعوبات الهروب بحراً. هكذا، نطلع على حال عائلة السوري شادي عميش، ثم على المساعدات الإنسانية التي تقدّمها السلطات اليونانية، لتُخبرنا «واشنطن بوست» أنّ الكثير من سكان لسبوس هم لاجئون أتراك.
كلام اللاجئ الأفغاني سليم أميري يذكرنا بأنّ المحطة المقبلة بالنسبة إليه وإلى أمثاله لا تزال ضبابية، بينما تلفت الصحيفة إلى أنّ الوجهة المقبلة المفضلة غالباً ما تكون ألمانيا. هذه التجربة الصحافية الممتعة والموجعة في الوقت نفسه هي جزء من مواد عدّة تنشرها «واشنطن بوست» ضمن خانة الـ «غرافيكس»، التي يتنوّع مضمونها بين الأخبار العاجلة، والتحقيقات الاستقصائية، والـ «إنفو غرافيكس». ولعلّ أبرز ما نُشر أخيراً عن اللاجئين أيضاً، دليل نظري مدعّم برسوم بيانية يتعلّق بأزمة اللجوء حول العالم خلال السنوات الـ 75 الماضية.

https://www.washingtonpost.com/graphics/world/lesbos/