منذ عودتها إلى الحياة السياسية بعد ٢٣ عاماً من المنع، ظهرت «حركة النهضة» في واجهة الحياة السياسية والثقافية من خلال الكتب والدراسات التي رصدت تجربتها سواء في عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي أو حتى في تجربة الحكم القصيرة. في «مرجعيات الاسلام السياسي» (دار التنوير)، يهتمّ الأكاديمي عبد المجيد الشرفي بمرجعيات الحركات الإسلامية وطريقة تعاملها مع الواقع اليومي بينما يستنجد منظرو الحركة الإسلامية مثل سيد قطب والمودودي بأفكار سابقة لزمن الحداثة.
الشرفي الذي يعد من أبرز أساتذة الجامعة التونسية المهتمين بالحركات الإسلامية وقراءات النص الديني، يعود في مؤلّفه الممتع إلى بدايات الحداثة في أوروبا وقطعها مع الفكر الكنسي المحافظ، ما مكّن أوروبا من تحييد الكنيسة عن الحياة اليومية. يعتبر الشرفي أن الفهم القاصر للنص الديني هو أحد أهم أسباب التطرّف. برأيه، فإنّ الفكر الديني الذي ظهر في فترة التاريخ القديم أي قبل الحداثة، يشتمل أيضاً على الفكرين اليهودي والمسيحي إلى جانب الإسلام، فالتطرّف «الذي ينسب عادة إلى الإسلام، موجود كذلك في الديانتين التوحيديتين الأخريين». وفي هذا السياق، يستشهد الشرفي بسلوك اليهود الأورثوذكس في فلسطين الذين يعيشون صراعاً مع مجتمعهم، ويرفضون أسلوب الحياة الحديثة.
برأي الأكاديمي التونسي، ليس للحركات الإسلامية خيار للاندماج والتعايش مع مجتمعاتها إلا عبر نقد ذاتي ومراجعة لأسسها النظرية. ويدعو الحركات التي وصلت إلى السلطة في مصر وتونس إلى قراءة تجربتها واستيعاب أسباب الفشل. ويؤكد أنّ غياب المفكّرين المجددين عن الحركات الإسلامية ليس من باب المصادفة، ذلك أن أسسها النظرية النكوصية والإقصائية والفئوية تمنعها من أن تكون حاضنة للمبدعين الذين لا يمكن يظهروا في فضاءات خالية من الحرية. يرى الشرفي أن تجديد الفكر الديني لا يمر عبر تحييد المساجد عن السياسة فحسب، بل عبر ضرورة فهم أفضل لمقاصد الرسالة المحمدية، وفهم جديد لختم النبوة الذي يعتبر أنّه «يفتح الأبواب المشرعة على العقل البشري».