رضوان هلال فلّاحة الشاعر الفلسطيني (مواليد دمشق ــــ 1983) في ديوانيه «جرار الخوف ومطر ناعم» و«دون عرشكَ والماء»، يؤرّخ زمان تجربته بأبجديّة الغربة، ويعيد ترتيب حروفها بحثاً عن ركام ألم يغزل فجراً واعداً. القصيدة عنده كينونة تكتمل بالحنين إلى زمن ولّى وانقضى لكنه نوّر في الذاكرة، رغم هزيمة الحلم: وغمستُ ريشتي عميقاً
في جذور الزيتون
دهنتُ غيمتي بالأخضرْ
لكن الصفعة أسقطت ريشتي
وما زلتُ أحلم بالمطرْ
يراقب فوضى مشاعره على وسادته وعلى أوراقه، فيصعد حيناً ويهبط حيناً، لكن تنقذه ذكرى حبيبته، فالنخل في عينيها أطول من قامته، وهي أبداً إلى جانبه:
أجمع همسكِ وأنفاسك
النائمة في عظامي
منذ الخريف الأخير
وأحبس دموعي
ونبض ألمي في دفئها
وآوي إلى مخدعي
لو لم تأتِ كان يمكن
أن آتيك في الحلم
وأطفو
بين جفنيكِ
على هذا النحو، يزهر الحنين في قصيدة رضوان هلال فلّاحة، فهو أتعبه الصعود في منحدر، إذ أفرغته الدهشة من أناه، وها هي جذوع خياله لا تفرز إلّا صمغاً، ولا عجب فرهبة الفناء صَعقَتْه، وبيته الشعري ملاذُه:
دمعةٌ شربتْ عرق
الثمالة في روحي
وعليه، فاللغة عنده ابنة العاطفة البكر. هي الحياة إذن، والحياة مشاع لا يُحتكر. ولكن لا يغيب عن شاعرنا صورة آلامه، وإن راهنَ دوماً على فسحة أمل:
لا تَخُنْ براءة الدمعة
لا تَخُنْ براءة البسمة
والتحفْ صدق مرآتك
كي لا تخونك ذاتك
مرّتين
يتمتّع رضوان هلال فلّاحة بموهبة صياغة الهايكو في غلاف سوريالي وافد من حداثة مُفرطة، وتوثيق غزل مُرّ، يختزل مرارته:
لنتجاوز بمقعد من حديقة الروح
أقطف زهرة من وهج شغافك
وتغزلُ عطراً من دمي
أجمعُ من أدمعكِ تويجة
تحتضنُ نجمتين من ثغر الطفولة
ونضيء شمعة لصلاة اعتراف
ودائماً إحساسه بالخسارة فكأنها قدره، وعلى الدوام يستمع إلى نبضات قلبه آملاً بصباح يرأف به، مدركاً أن الموت أوّل الخيانات الجميلة.
إنه شاعر الغربة والانتظار. اعتاد عليهما حتى أصبحا ظلّه في منافي النزوح، فأفل فردوسه تحت ناظريه.

* كاتب فلسطيني