لم تعد بيروت كما اعتدناها. تضاءلت فعالياتها الثقافية في رمضان. ولربما في ذلك خير دليل على تبدل الأشياء والعلاقات بين الجمهور والمدينة والفن وأهله. كان المبادر الأول الى تنظيم برمجة ثقافية خاصة برمضان تجمع بين الموسيقى العربية والطربية والصوفية والمسرح والرقص التعبيري هو «مسرح المدينة» بشخص نضال الأشقر.
منذ عام ١٩٩٤، جهدت المسرحية اللبنانية لاطلاق أمسيات رمضانية. في السنوات العشر الأولى لبرمجته، كان «مسرح المدينة» يقدم ما يزيد عن عشر حفلات كحد أدنى مستضيفاً أسماء بارزة من تونس والجزائر ومصر والعراق ولبنان وسوريا. في سياق متصل، تمرّس «مسرح بابل» منذ عام ٢٠٠٨ على تنظيم أماسي رمضانية أيضاً. لم يكن هناك قرار مسبق بتحويل تلك الفعالية الى تقليد سنوي، لكن مع الإقبال الجماهيري، ارتأى القائمون على المسرح تكرار التجربة، فتوالت البرمجة «البابلية» لتتميز بتنوعها، جامعةً الراب والموسيقى المعاصرة والتراثية والطربية ومضيفةً الشعر والمسرح الى جدولها. لكن اليوم، انعدمت البرمجة الرمضانية في «بابل» في حين اقتصر حضورها في «مسرح المدينة» على ٥ حفلات.
يعزو جواد الأسدي سبب انسحاب «بابل» من البرمجة الرمضانية الى انسحاب الجمهور وانسحاب الفنانين أنفسهم. يقول لنا: «تبدل مزاج أهل المدينة. مع تردي الوضعين الاقتصادي والسياسي، لم يعد هناك مزاج ثقافي أو سياحي ولا حتى مزاج حياتي». هذ الأمر ناتج من «الاغتراب السياسي» في المنطقة ككل على حد قول الأسدي: «أصبح الخوف سيد الموقف لدى المشاهدين والفنانين على حد سواء، ما أدى الى تبدل شروط التعاطي بين الفنانين والقائمين على المسارح. لم تعد هناك شراكة بين الفنان والمسرح على شباك التذاكر، لم يعد ممكناً إقناعهم بتلك الصيغة أصلاً بسبب تعقد الوضع الاقتصادي والأمني. أصبحوا يطلبون شروطاً مالية مسبقة على المسرح أشبه بتعجيزية». هذا الأمر دفع القائمين على «بابل» إلى التخلي عن هذا التقليد الذي تم ارساؤه على مدى ستة مواسم رمضانية.
أما نضال الأشقر، فتبدو أكثر تفاؤلاً. ترى أن استمرار برمجة «مسرح المدينة» في رمضان ضروري أكثر من أي وقت لمواجهة حالة الرعب التي تخلقها الأنماط الداعشية في المنطقة، خصوصاً أنّ «المدينة» انطلق من تراث الناس وذاكرتهم لإرساء تقليد البرمجة الرمضانية. وتبدو الأشقر واثقة من حضور الجمهور واتخاذه موقفاً مع الحياة والفرح. في هذا الإطار، حرص «المدينة» منذ سنوات على ابقاء قائمة أسعاره كما هي كي تكون العروض في متناول الجمهور في ظل الأزمة الاقتصادية.
على صعيد آخر، ينشط «مسرح اسطنبولي» في صور الذي أطلقه المسرحي الشاب قاسم اسطنبولي، لتنظيم عدد من الأمسيات الرمضانية مع الفرقة المولوية والشيخ يوسف ياسين وأشرف الشولي وفرقة «مونت كارلو». اذا كما يبدو، تنطلق البرمجة الرمضانية بخجل على خشبات مسارحنا هذا العام بعدما خرجت كرة القدم من شاشات التلفزة.