غزة | مع استمرار التغطية الإعلامية للعدوان الإسرائيلي من قبل الصحافيين في غزة، وتركيزهم على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر الأخبار العاجلة وغيرها من أخبار تفضح الجرائم وتنشر انجازات المقاومة وصمودها، يرى جهاز الموساد الإسرائيلي في تلك الأخبار مصيدة لإيقاع الصحافيين بغية الحصول منهم على معلومات قد تفيد الاسرائيليين في الكشف عن بؤر المقاومة وأماكن إطلاق الصواريخ.
منذ بدء العدوان قبل أكثر من أسبوع، عملت الاستخبارات الإسرائيلية على إنشاء حسابات وهمية عبر موقع الفايسبوك. من خلال الحساب، يدّعي صاحبه أنّه صحافي من دولة أجنبية أو عربية يريد التعاون مع الصحافي الفلسطيني الذي تمت إضافته. بعدها، يقوم بسؤاله عن منطقة وجوده في القطاع، ويطلب تزويده بالمعلومات والتقارير اللازمة والصور عن المقاومة. وسينال الصحافي الفلسطيني المتعاون «مبلغاً جيداً جداً» على حد وصف صاحب الحساب.
المصور الصحافي عمر القطاع الذي يملك صفحةً على فايسبوك ينشر عبرها صور العدوان وغيرها، يضع عليها رقمه الشخصي حتى تباع الصور أو في حال احتاج أحد إليها. لكنه مع بداية العدوان، جاءه اتصال من رقم خاص يدّعي أنّ اسمه هو مصطفى عودة من لبنان وهو يتقن التحدث باللهجة اللبنانية. بدوره، طلب المسمى عودة من المصور عمر إخباره عن مكان وجوده الحالي والأماكن التي يغطيها بالتحديد، فلم يرد عمر عليه وأخبره أنّه موجود في كل الأماكن وأنهى المكالمة معه، على أن يقوم بإضافته عبر فايسبوك ويتابع معه الحديث. ويضيف عمر القطاع لـ«الأخبار»: «خلال المحادثة، طلب تصوير الشوارع وهي فارغة والمحلات مغلقة وغيرها من صور توحي بأنّ غزة تعيش في حالة حرب ومغلقة، كما أراد صور المناطق بعد القصف، والغريب أنّه قام بإضافتي من حساب لم يمض الا ساعات قليلة على إنشائه». ويتابع عمر: «بعدها أحسست أنه من الموساد أو غيره من جهات التجسس الإسرائيلي، فقمت بإبلاغ الامن الداخلي في غزة لأنّه اتصل بي من رقم خاص كي لا اعرف الوصول له. ولم يعاود الاتصال بي لأنّه أحسّ أنني كشفته بسبب عدم قبولي عرضه ولا إعطائه أي معلومة».
أما مراسل إذاعة «صوت الحرية» الفلسطيني علاء الدواهيد، فقد قامت فتاة بإضافته عبر فايسبوك وادعت أنّها صحافية من إحدى أكبر الصحف النرويجية وطلبت منه معلومات عن البيوت المدمرة وعن أماكن وأوقات خروج صواريخ المقاومة. يقول الدواهيد لـ«الأخبار»: «الاحتلال الاسرائيلي يحاول استدراج الصحافيين لأخذ المعلومات عن المقاومة بشتى الطرق. فقد طلب صداقتي حساب مجهول عبر فايسبوك يدعي بأنه يعمل لصحيفة كبيرة من النرويج، وطلب معلومات عن القصف الإسرائيلي والبيوت المدمرة وعن أماكن ومواقيت خروج صواريخ المقاومة».

حسابات وهمية تطلب من الإعلاميين صوراً ومعلومات عن أماكن إطلاق الصواريخ


الموساد لم يكتف بهذه الوسائل، بل أنشأ حساباً مشبوهاً مع صورة «بروفايل» للصحافية السورية الشهيدة يارا عباس مراسلة التلفزيون السوري الحكومي، التي قضت في كمين نصبه المسلحون في منطقة قريبة من مدينة القصير أثناء الحرب السورية (الأخبار 28/5/2013). ينشر صاحب الحساب المشبوه صوراً ليارا بين الفينة والأخرى في محاولة لاستغلال أنوثتها بهدف الإيقاع بأكبر قدر ممكن من الصحافيين والشخصيات الاعتبارية التي تهمه أن يفهم رأيها ويتابع أحوالها كي يستفيد من السقطات الأمنية التي يمكن أن تفيد بشكل من الأشكال. والغريب أنّ صاحب الحساب يضع أنّه يعمل في صحيفة «الأخبار» اللبنانية! إلا أنّ صحافيين فلسطينيين يعلمون باستشهاد الصحافية يارا، قاموا بالتواصل مع الحساب للكشف عن هوية صاحبه، فبعثوا رسالة استفسار إلى صاحب الحساب، مشيرين إلى أنّ يارا قد استشهدت، ولم تمض دقائق حتى قام مالك الحساب بإرسال حظر لصاحب الرسالة.
حساب آخر يدّعي أنّ اسمه عمر صلاح ينشر صوراً لـ«كتائب القسام» وإشارة النصر ويملأ حسابه بشعارات نصر للمقاومة، أرسل أيضاً طلبات صداقة للصحافيين وإعلاميي الفضائيات وكان يسألهم عن مكان عملهم وما رأيهم في أداء المقاومة، واحتمالات استمرارها في التصدي للعدوان وحجم قوتها في الوقت الحالي. هكذا، لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الصحافيين الفلسطينيين بالصواريخ، ها هو يستدرج بعضهم إلى وحل العمالة بهدف أخذ المعلومات الاستخبارية في عدوانه الهمجي على القطاع.




استهداف ممنهج

منذ بدء العدوان الاسرائيلي على غزة في السابع من تموز (يوليو)، استشهد الناشط محمد السميري، الذي كان يعمل في فرقة النخبة في حركة «حماس»، وقد عدّه البعض أول شهيد للصحافة نتيجة نشاطه الإعلامي، لكن حتى الآن، لم يسقط أي شهيد من الصحافيين العاملين في قطاع غزة، بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع، المعني بتوثيق كل الانتهاكات الحاصلة بحق الفلسطينيين، إلا أنه بسبب العدوان الصهيوني، توقفت إذاعتا «وطن» و«الشعب» نتيجة قذائف أصابت برجي «الباشا» و«داوود»، اللذين يحويان إذاعات فلسطينية عدة.