ربما أبرز مثال واضح للعيان على تقصير الدولة في لبنان، هو وضع طرقاته المتردّي الذي رافق كلّ العقود والعهود. ببساطة، لم تكتف السلطة وكلّ من له يد فيها، بتدمير النقل العام على حساب الخاصّ وتخيير الناس بين اعتماد السيارة للمواصلات أو عدم التنقّل، بل أرفقت ذلك بوضع يُرثى له على الطرقات. هكذا، عانى سالكوها الأمرّين من تكسّر سياراتهم ورؤية سيئة وحوادث دموية وانزلاقات وانعدام الإشارات والتنبيهات، حتى على الأوتوستراد الساحلي وطريق المطار اللذين يُفترض أنّهما طريقان دوليّان يعدّان الشريان الأساسي للمواصلات في لبنان. بناءً على ما سبق، أطلق فنانان لبنانيان مبادرتين متواضعتين أثبتتا أنّ الفنّانَين مهتمَّون بالطرقات والسلامة المرورية أكثر من المسؤولين أنفسهم.المبادرة الأولى كانت لغسان الرحباني. نشر الفنان اللبناني الشهر الماضي مقطعاً يصوّر فيه مفترق طريق المطار، متحدّثاً عن عدم وجود أيّ إشارة أو «آرمة» تدلّ المتوجّه إلى المطار على الطريق الذي يجب سلوكه، ما قد يكبّد السائق عبء الوصول إلى خلدة قبل التمكّن من الاستدارة. الفنّان الذي اشتهر، قبل أكثر من عقدين، بأغنيته «طريق المطار» التي حثّت المعنيّين على إعادة تأهيل الطريق في حينه، قال «طلع على لساننا شعر ونحن نطالب بإشارة صغيرة لا تكلّف شيئاً». لم يمرّ أسبوع على الفيديو حتى أعلنت جمعية «يازا» عن تجاوب وزارة الأشغال مع نداء غسان الرحباني، ونشرت صوراً تظهر تركيب إشارات مرورية توجيهية مع ضوء يعمل على الطاقة الشمسية للفت الانتباه ليلاً. غير أنّ ذلك لم يشفِ غليل كثر، إذ لم توضع إشارة أخرى قبل مسافة محدّدة. أضف إلى ذلك أنّ الإشارات صغيرة بالنسبة إلى حجم الطريق، حتى رمز الطائرة المستخدَم عالميّاً وُضع إلى الجهة المقابلة لتلك التي تدلّ عليها الإشارة، ما قد يسبّب ضياعاً لدى السائق في حال الرؤية السيئة. وفوق هذا كلّه، أضيف تحت الإشارة اسم مؤسّسة خاصّة، مع رقم هاتف خلوي! رغم كلّ ما سبق، يبقى وجود الإشارة أفضل من عدمه، ومبادرة غسان الرحباني أتت أكُلها إلى حدّ ما.
المبادرة الثانية كانت من الفنّان ملحم زين. فالأخير الذي عاش تجارب مُرّة مع الطرقات في لبنان، موّل تركيب عواكس ضوئية على الحاجز الوسطي للأوتوستراد الممتدّ من صور إلى خلدة ومن بيروت حتى نفق شكا، بمسافة إجمالية بلغت 120 كيلومتراً بحسب «يازا». ومن السهل على سالكي الأوتوستراد رصد تلك العواكس التي انتهى تركيبها قبل شهر تقريباً، وهي وُضعت حتى على التحويلة قبل نفق شكا حيث حيطان الدعم المنهارة على حالها منذ عام 2019، ما يجنّب السائقين الارتطام بالحواجز الموضوعة في منتصف الطريق. هذا بالإضافة إلى تركيب وزارة الأشغال العامة الماضي مصابيح على الطاقة الشمسية لإنارة الأوتوستراد الممتدّ بين طبرجا وعمشيت.
غسان الرحباني الذي اشتهر بأغنيته «طريق المطار» طالب بوضع إشارة صغيرة على الطريق


وكانت الفنّانة ماجدة الرومي قد موّلت في أيلول (سبتمبر) الماضي تركيب عواكس ضوئية على طريق المصنع حيث قضى الفنّان جورج الراسي ومديرة أعماله زينة المرعبي في حادث مروّع سببه انعدام الإشارات على بداية الحاجز الوسطي، فيما تستكمل جمعية Rebirth مبادرتها لإضاءة شوارع بيروت وإشارات السير في أوقات انقطاع التيار الرسمي، وهي حتى الآن أنجزت أعمالها في غالبية شوارع العاصمة الأساسية. كلّ ذلك يثبت كيف أنّ عشرات المليارات التي أنفقت عبر السنوات على الطرقات ومشاريع البنية التحتية، ذهبت سدى، فانتفعت حفنة من المتعهّدين والسياسيّين والمستفيدين على حساب حيوات الملايين وسلامتهم المرورية، وبتنا في يوم يتولّى فيه الفنّانون مسؤولية المعنيّين الذين يُفترض أنّهم يتقاضون رواتبهم من الشعب للقيام بهذه الأعمال بالتحديد!