أريد أن أستبق الأمور، وأن أكتب نشيد النصر. أريد أن أستبق الأمور، وأكتب هذا النشيد: لقد انتصرنا. انتزعنا النصر بأظافرنا، وبدمنا. هناك من لن يصدق ذلك، ومن ستدفعه مصاله إلى إنكار ذلك، ومن سيسخر من هذا الانتصار ويصغّره، بل يستخدم دمنا الذي سال بغزارة دليلاً على عدم وجوده. لكن هذا لن يمنعني من كتابة النشيد. فقد حصل مثل هذا عام 2006 في لبنان، حين اعترف العدو بهزيمته في حين ظل أناس من جانبنا يدّعون أننا هزمنا.
نعم، أريد أن أستبق الأمور، وأكتب النشيد. الدم على وجوهنا وأجسادنا. لكننا أنجزنا انتصاراً تاريخياً. انتصرنا وحدنا على جيش مخيف أعد نفسه جيداً للمعركة. فاجأناه وأذللناه. صحيح أننا خرجنا بوجوه مدماة، لكن هذا لا ينفي أننا انتصرنا. على العكس، هذا ما يزيد من شرف هذا الانتصار وعمقه.
نعم، لقد حققنا نصراً لا يقل خطورة عن النصر العظيم لـ «حزب الله» في لبنان عام 2006. بل لعله يتفوق عليه، إذا أخذنا في الاعتبار أنّ قطاع غزة محاصر من كل الجهات، وأن جنوب لبنان كان مفتوحاً حتى حدود طهران. نعم، لقد انتصرنا.

لقد حققنا نصراً يتفوّق ربما على النصر العظيم لـ «حزب الله» في لبنان عام 2006

بل فعلنا ما لم يفعله الفيتناميون أنفسهم. صمدنا في قطاع مكشوف من الأرض، لا جبال فيه ولا غابات، قطاع صغير تستطيع أن تقطعه ماشياً بالطول والعرض في ساعتين. صمدنا فيه وخرجنا منتصرين، رغم الجراح. نعم، صمدنا صموداً لا مثيل له. وهذا الصمود انتصار بكل المقاييس من الزاوية العسكرية. ومن يصمد أمام جيش بهذه القوة، في بقعة محاصرة، يحق له أن يحتفل بانتصاره.
نعم، لقد انتصرنا. ويجب أن نحيي الجنرالات المجهولين الذين حققوا هذا الانتصار الكبير، وتفوقوا على كل جنرالات إسرائيل المنعمين الذين يمتلكون تكنولوجيا العالم.
المجد لهؤلاء الجنرالات. المجد للمقاتلين كلهم. المجد أيضاً لمن فتحوا الطريق وانتصروا عام 2006 في لبنان. المجد لعماد مغنية وإخوته. المجد لهم. المجد أيضاً لمن قاتلوا قبل «حزب الله» في الجنوب اللبناني، فلسطينيين ولبنانيين، ولمن صمدوا في حصار بيروت.
موجة وراء موجة نقاتل. كل موجة تبني على الموجة التي سبقتها، أياً كانت الإيديولوجيات، أياً كانت الأحزاب، أياً كانت الطوائف. المجد للذين صمدوا وكسروا العدو في غزة.
وللشهداء، للمدنيين والعسكرين، وللأطفال الذين ارتفعوا لسماء الله خاصة، دماؤكم لم تذهب هدراً. دماؤكم حفظت روح شعبكم وحفظت مستقبله، دماؤكم حفظت شرف أمة، إن كانت هناك أمة فعلاً. دماؤكم الطاهرة مهدت طريق الحق، شقت طريق العدل، فتحت الباب للانتصار النهائي. لقد خسرت إسرائيل المعركة. خسر جيشها.
وسيكون لهذا وقع الزلزال خلال الأشهر المقبلة. أما المعركة المقبلة، فأنا واثق أنّها ستفتح باب النهاية للعدو، بإذن الله، وبإذن إرادتنا. لسنا ندري أين ستكون ساحة هذه المعركة: في الضفة؟ في غزة؟ في جنوب لبنان؟ في سوريا؟ في شرق الأردن أم في مكان آخر؟ لكننا ندري أنها ستكون إشارة نهاية الطريق بالنسبة إلى العدو. معركة أخرى، معركة أخرى فقط، وسوف تنتهي الفكرة الظالمة المجرمة التي اسمها إسرائيل.
* شاعر وباحث فلسطيني