في معرضه الجديد Stretching Thoughts الذي تستضيفه غاليري «أيام» في بيروت، تحضر طبعات إضافية من الفانتازيا التي باتت جزءاً أساسياً من هوية الفنان نديم كرم (1957)، إن لم تكن هي هويته نفسها، فالمهندس والمنظِّر اللبناني الذي استثمر حسابات العمارة وخرائطها وماكيتاتها في لوحاته وتجهيزاته ومنحوتاته، أخذ العمارة والفن معاً إلى حافات جريئة وخطرة يمتزج فيها اللعب بالتنظير، والجماليات التقليدية بالمقترحات البصرية الجديدة، والوظائف العادية لعناصر اللوحة أو المنحوتة مع الأداء المعاصر لها.
يضم المعرض أعمالاً قليلة منجزة في العامين الأخيرين، وتتوزع بين اللوحات المؤلفة بوسائط مختلفة وأخرى لا تزال في مرحلة الاسكتش، والنحت الذي يتمثل عادةً في مجسمات معدنية وكريستالية أكثر من كونها منحوتات اعتيادية، إضافةً إلى عمل تجهيزي واحد بعنوان «الأفكار المهملة» المؤلف من كومة من القضبان الحديدة الصدئة والمتداخلة ببعضها مثل «كبكوبة» أو متاهة معدنية مصنوعة من الخردة الجاهزة تقريباً.
يصنع بِطانة ثقافية وسوسيولوجية لعمله في العمارة

الشيفرات الموجودة في تجربة كرم على شكل حيوانات أو غيمة أو أشكال بشرية تم إفساد مقاييسها الجسمانية، لا تزال تجد حدوداً إضافية لكي تجاريها وتتخطاها، وعنوان المعرض نفسه هو تحريض على توسيع الأفكار أو السماح لها بالامتداد إلى مناطق تعبيرية شاغرة وغير مأهولة. تجربة نديم كرم منذ بداياتها ذهبت في هذا الاتجاه والامتداد، وتطورت داخل صياغات قادمة من المستقبل والمغامرة. مفهوم «الغيمة» أو السَّحابة التي عمل عليها كتطوير للحيز المعماري وعلاقته بالفضاء والكتلة، نراه في ثلاثة مجسمات لشكل بشري واضح المعالم مع استثناء الرأس الذي يتحول إلى أسلاك متدفقة من العنق، ويصنع «غيمة» معدنية تظلل جسد صاحبها. يذكرنا أحد هذه المجسمات بتمثال «المفكّر» لرودان، بينما التأليف المعدني وغيمة الرأس يجعلان «مفكر» نديم كرم ينتمي إلى نوع من الخيال العلمي أو الكائنات الفضائية. الغيمات المعدنية في المجسمات لا تغيب عن الأشكال البشرية الموجودة في اللوحات العادية أيضاً، حيث نرى أجساداً متطاولة وبلا ملامح تخرج من بين أكتافها كتلٌ من الخطوط المتداخلة التي تشبه الشجرة أحياناً أو آلة معطلة مبعوجة تناسلت أسلاكها الداخلية إلى الخارج. إنها تأويلات عن «كيفية عمل العقل البشري والامكانات اللامتناهية التي تتيحها الأفكار، فيما يبقى الجسد ثابتاً في سياقه ويتأثر بالمتغيرات السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها»، بحسب تعبير الفنان نفسه في تقديمه للمعرض، حيث الفن هو أحد الخيارات الأساسية في «التساؤلات الراهنة حول مسألة الهوية في الشرق الأوسط»، وهو مساحة لاختبار ما «يمكن للأفكار أن تتجاوزه وتتخطى العقبات لتصل إلى حيثما تطمح لتستكشف حدود العالم».
بهذا النوع من الأفكار، يصنع نديم كرم خلفية أو بِطانة ثقافية وسوسيولوجية لعمله في العمارة، وفي الفن المشتقّ من هيكليات العمارة أيضاً، وما نراه في المعرض، وفي معارضه السابقة، هو ترجمات لرؤى وأحلام وتخيلات تعمل على مراقبة الحاضر ومشهدياته بعين المستقبل غير القابلة للتحديد. والمعرض – بحسب عنوانه – هو دعوة للمتلقي والجمهور لتوسيع انطباعاته الجاهزة عن الفن أيضاً.

* « Stretching Thoughts: نديم كرم». حتى 2 إبريل (نيسان) ــــ «غاليري أيام» (سوليدير) ـــ للاستعلام: 01/374450