تعددت أساليب التضامن مع غزّة خلال العدوان الأخير، وأثبتت وسائل التواصل الاجتماعي أنّها باتت مصدراً رئيسياً لإظهار تفاصيل كانت وسائل الإعلام التقليدية تبعدها أو تخفيها حتى. لكن مع التطوير الكبير الحاصل في مسألة التصوير والمونتاج وحتى «ساحات العرض»، لم يكن غريباً أبداً أن نشهد جيلاً جديداً من الفنانين الذين يوصلون أصواتهم مهما كانت الإمكانات ضئيلةً.أظهر عدوان غزّة جوانب كثيرة لم تعرف قبلاً عن الشارع الفلسطيني. بدا أن الشارع الذي يشتهر «حديثاً» بالثوار والمجاهدين، بات يمتلك جوانب فنّية مختلفة تناسب العصر الحديث.

قبل أيام، تناقل النشطاء العرب على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يتضمن الفنانين شادي العشي وكريستين زايد في حديثٍ من القلب إلى القلب عن أحداث غزة والتضامن معها بشكلٍ مباشر، مع تأكيد فكرة أنّ الوقت الآن ليس للكوميديا بل للحزن
والغضب.
ووجها رسالةً شديدة اللهجة إلى الرؤساء العرب والرئيس الفلسطيني أبو مازن أيضاً، منتقدين بشكلٍ كبير الانقسام الفلسطيني الحاصل.
لم يكن كثيرون خارج فلسطين يعرفان الفنانين الشابين من قبل. لكن هذا الفيديو كان فاتحةً للدخول إلى جمهورٍ جديد. فرقة «نشاز» التي ينتميان إليها، تتكون أصلاً من الفنانين موسى علاوي وفادي أبو صوي ويخرج أعمالها أحمد مسلم. تقدّم «نشاز» برنامجاً كوميدياً من النوع الاجتماعي (للموسم الثاني على التوالي) على صفحتها على يوتيوب، وكذلك على قناة «فلسطين» (بثت الموسم الثاني منه). وعلى الرغم من أن بعض «الفيديوهات» الخاصة بها المنتشرة على «يوتيوب» قد لامست رقم المليوني مشاهد، إلا أنّ جمهورها بقي «محلياً» و«داخلياً» بعض الشيء.
من خلال أعمالها، تحاول الفرقة أن تلامس الوجع الفلسطيني الاجتماعي كون معظم الأعمال الدرامية (الكوميدية أو الجادة) الفلسطينية تنهج ناحية السياسة ومشاكلها.
اختارت «نشاز» التي استعارت اسمها من «أي شيء خاطئ ويتزايد في المجتمع مشكلاً حالة نشاز»، أن تحكي الحدث الواقعي العادي بطريقة الفانتازيا و«التضخيم»، فباتت مشكلة اجتماعية كبرى مثل «البطالة» حدثاً كبيراً في إحدى الحلقات، كما الحياة المدرسية ضمن حلقةٍ أخرى، حيث نشهد الأستاذ الذي يأتي إلى الصف حاملاً «خرطوم» مياه كوسيلة لعقاب تلامذته، ولا يفوتهم في الوقت عينه الإشارة إلى أنّ التلامذة هم مشكلةٌ بحد ذاتهم. لكن ما هي الإضافة الخاصة بالبرنامج في هذه الحلقة؟ الأشباح داخل
المدرسة.

تستعد للسفر إلى الرباط
لإنجاز باكورتها السينمائية
هكذا هي «نشاز» تضيف بعض «الخيال» و«الفانتازيا» إلى موضوعٍ اجتماعيٍ عادي. تمرّر المشكلة الحقيقية في إطار خاص وهو ربما ما يميز الفرقة بشكلٍ كبير عن أي أعمال أخرى مشابهة.
شادي العشي الشديد الشبه بفناني هوليوود من خلال شعره الأشقر (يعتني به جيداً) وثيابه الجميلة هو خريج صحافة وإعلام (ولا يزال يكمل دراسته في مجال السينما في مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر). كان قد عمل سابقاً في البرنامج الفلسطيني الشهير «فنجان البلد»، ولكن الجمهور الفلسطيني عرفه أكثر مع البرنامج الكوميدي «وطن ع وتر» (2013) للفنان المعروف عماد فراجين. يعترف شادي بأن التجربة في «وطن على وتر» صقلته وجعلته يتعرّف إلى زميله في «نشاز» حالياً، موسى علاوي. علاوي من جهته درس الفنون الجميلة بعدما عجز عن إيجاد «مكان» لدراسة المسرح. لذلك، انضم إلى «مسرح جامعة القدس» حيث أدى العديد من الأدوار المسرحية، ليشده التلفزيون بعدها. شأنه شأن شادي، شارك في «فنجان البلد» و«وطن على وتر» ليؤسس بعدها «نشاز». أما فادي أبو صوي فهو صاحب اختصاصٍ بعيدٍ للغاية من الكوميديا. هو يختص بالكمبيوتر. ومع ذلك، فإنّ التمثيل ــ والكوميديا تحديداً ــ يشده كثيراً. لذلك عمل في مسرحيات عدة قبل تأسيس «نشاز» التي يعتبرها تجربة «خاصة» للغاية لا تشبه أياً من تجارب «الكوميديا» المحلية أو العربية.
تعمل «نشاز» حالياً على إكمال حلقات برنامجها لتعود وتتوجه بعدها إلى الرباط لتصوير فيلم يجرى الاتفاق عليه حالياً ليكون باكورة أعمالها السينمائية، وهو «عملٌ سيشكل مفاجأة كبيرة لجمهورنا والجمهور العربي عموماً» بحسب ما يقوله أعضاء الفرقة.




التجربة... الأردنية

لا يمكن الحديث عن تجارب الكوميديا المنتجة فردياً التي لا تمولها شركات كبرى، من دون الحديث عن التجربة الأردنية في هذا المجال، فهي تعدّ الأنضج والأنجح ضمن هذا النوع من الأعمال. تعتبر التجربة الأردنية رائدةً من خلال تجارب عديدة مثل تجربة رجائي قواس وزملائه في شركة «خرابيش». مهدت هذه التجارب بشكلٍ كبير لانتشار هذا النوع من البرامج، ليشارك بعدها رجائي قواس في المسلسل الكوميدي «في ميل» مع زميلته تيما الشوملي التي سرعان ما استدعاها برنامج «سي بي أم» الكوميدي على قناة «أم. بي. سي» لتكون ضمن طاقمه. شجع نجاح التجربة الأردنية الشباب العرب على إنتاج أعمالهم الخاصة، فنذكر منهم مثلاً الفلسطيني (يقيم في الأردن) شيكس العلي الذي قدم سلسلةً كوميديةً ناجحةً على صفحته على «يوتيوب» ضمن تجربة Stand Up Comedy ليشارك بعدها في برامج عدة تعرض على قنوات تلفزيونية معروفة في الأردن. يذكر أنّ الإعلامي المصري باسم يوسف صاحب برنامج «البرنامج» كان قد بدأ بعرض برنامجه على «يوتيوب» قبل الانتقال إلى قنوات عدّة، ولكن لا يمكن اعتبار تجربته ضمن هذه التجارب «الشابة»، ذلك أنّه منذ بداياته كان «البرنامج» ممولاً حيث يمكن بسهولة ملاحظة تكاليف الديكور والإعداد والمتابعة، وهو ما تفتقده أيّ من البرامج الشبابية الأخرى. تجدر الإشارة إلى أن هذه البرامج لا تحتاج إلى «تقنيات» مرتفعة، ولا إلى تكاليف باهظة: كاميرا بسيطة (حتى إنه من الممكن تصوير الحلقة بكاميرا هاتف خليوي مثلاً)، معرفة بسيطة بالمونتاج، وبالتأكيد حساب على يوتيوب. وللملاحظة فقط لم تكن هذه التجربة معروفة (أو ممكنة حتى) قبل 5 أعوام من الآن!

■ https://www.facebook.com/NshazzHD