القاهرة | تماماً كما تكمن الفيروسات القاتلة قبل أن تنتشر مجدداً، عادت حمى التسريبات للإعلام المصري، لكنها هذه المرّة أطاحت بصاحب السبق الإعلامي عبد الرحيم علي مقدم برنامج «الصندوق الأسود». رغم تصريح طارق نور مالك قناة «القاهرة والناس» بأنه اتخذ قرار وقف «الصندوق الأسود» على الهواء مباشرة مساء الأحد الماضي من دون تدخّل من قبل رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، إلا أنّ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الرافضين لتوجّهات مقدّم البرنامج وجّهوا الشكر لساويرس. كما جزم معظمهم بأنّ رجل الأعمال الشهير تدخّل بشكل أو بآخر، ولو لم يجر إعلان ذلك رسمياً.
في كل المواقف التي أطاحت بوجوه الـ «توك شو» في مصر أخيراً، بدءاً من مها بهنسي (الأخبار 10/6/2014) ثم رانيا بدوي من قناة «التحرير» وبعدهما أماني الخياط من «أون. تي. في»، كان ردّ الفعل يبدأ بعد تداول مقطع الفيديو سبب الأزمة أي بعد انتهاء الحلقة. لكن هذه المرة جاء توقيف في لحظتها. خلال تقديمه برنامجه أول من أمس، خرج عبد الرحيم علي إلى فاصل ولم يعد! ولم يستغرق الأمر أياماً كما حدث في السابق لإعلان القناة موقفها، بل سارع علي الذي يُدير جريدة وموقع «البوابة نيوز» لإعلان تركه القناة رسمياً. من جهته، قال طارق نور إنّ علي «خالف ثوابت القناة التي سمحت قبلاً بنشر التسريبات، لأنها كانت ضدّ جماعات سياسية مثل «6 أبريل»، وشخصيات مؤثرة في ما جرى منذ كانون الثاني (يناير) مثل محمد البرادعي». واعتبر نور أن ما فعله عبد الرحيم علي مساء الأحد هو «تصفية حسابات شخصية لا تتعلّق بقضايا الوطن». بدأت القصّة حين غرّد ساويرس في نهاية الأسبوع الماضي قائلاً إنّ «مشاهدة حلقة ثانية من المُخبر عبد الرحيم علي تجعلني أتعاطف غصباً عنّي مع الإخوان المسلمين». ويعدّ ساويرس أوّل شخصية ذات ثقل في المجتمع المصري تصف علي صراحة بـ «المخبر». مقدّم «الصندوق الأسود» يصنّف مع أحمد موسى مقدّم «على مسؤوليتي» (صدى البلد) من الشخصيات المقرّبة من جهاز الأمن، وهو ما يراه الرجلان مصدر فخر لهما. وظلّت «المخبر» صفة يتداولها مستخدمو مواقع التواصل فقط. رغم ذلك، لم يتوقع أحد أن يأتي ردّ علي بهذه السرعة، فهناك من يمدّه بتسجيلات لكل الشخصيات الفاعلة على الساحة السياسية. هكذا، بثّ علي سريعاً تسجيلاً لمكالمة جمعت ساويرس ومحمد البرادعي يتبادلان فيها الآراء حول الأوضاع السياسية في مصر في آذار (مارس) 2013. تسجيل قد يراه بعضهم بين رجلين قلقين على مستقبل البلاد، بينما يعتبره أنصار علي دليلاً على تآمر الجميع على مصر بعد «ثورة يناير». كذلك، اتهم الإعلامي ساويرس الذي تقدّر ثروته بـ 2.8 مليار دولار، بالامتناع عن التبرّع لصندوق «تحيا مصر» الذي دشّنه الرئيس عبد الفتاح السيسي أخيراً، رغم أنه دفع 7 مليارات دولار ضرائب متأخرة خلال عهد الإخوان. وواصل علي خلال الحلقة تناول كثير من المواقف التي يملك هو فقط الدليل على صحّتها. وكان الممثل عمرو واكد حصل على حكم بالغرامة ضدّ علي وطارق نور، بعد بثّ الأخير تسجيلات له بشكل غير قانوني، إلى جانب تقدّم معظم من طاولتهم التسجيلات التي سرّبها علي ببلاغات إلى النائب العام. لكن يبدو أن تلك الأحكام والبلاغات لم تردع قناة «القاهرة والناس» التي لم يتخلّ صاحبها طارق نور عن علي إلا بعد دخول ساويرس على الخط، ليتكرّر السيناريو كل أسابيع عدة بتفاصيله كافة.

توقف برنامج عبد
الرحيم علي بعد بثّ مكالمة بين نجيب ساويرس ومحمد البرادعي


السلاح الذي يستخدم لتشويه «ثورة يناير» تتغيّر وجهته فجأة ليصيب صاحبه، فيما تبدو أجهزة الدولة غير معنية بكل ما يحدث. لم يحاول أصحاب القرار التدخّل لوقف مهزلة بثّ تسجيلات شخصية تنتهك الدستور الذي يؤكّد في بنوده حرمة الحياة الخاصة. كلّ التسجيلات التي بثها علي لا تتضمّن أيّ اتهامات لأصحابها، وإلا لذهبت أولاً إلى القضاء. وفور سقوط علي، اتجهت الأنظار إلى الاسم الأبرز في الحلقة الإعلامية الرامية إلى تشويه «ثورة يناير» أي أحمد موسى. الأخير تسلّم راية بثّ التسريبات من علي خلال الأيام الأخيرة، وأطلق مكالمات مسجّلة عدّة لقيادات إخوانية، من بينهم أسامة مرسي نجل الرئيس المعزول محمد مرسي الذي كانت تحاوره على الهاتف مراسلة في قناة عربية. هذا الأمر شكّل أذى للفتاة التي لم تكن تعلم أنّ صوتها وهي تهاتف مرسي خلال اعتصام رابعة ـ أيّ قبل عام كامل ـ سيصل إلى الملايين وكل متفرج سيترجم الاتصال على هواه. هل سيستمرّ موسى في بثّ التسجيلات بعد الذي جرى مع علي، أم ينضمّ إلى قناة «صدى البلد» وتصبح التسجيلات حصرياً على شاشة واحدة؟ علماً أنّها «صدى البلد» هي التي انفردت بنقل وقائع محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذين يدين موسى وعلي لنظامه بالولاء.




أماني دخلت... نائلة خرجت

خروج عبد الرحيم علي من «قناة القاهرة والناس» سبقه خروج هادئ للإعلامية نائلة عمارة مقدمة برنامج «حزب الكنبة». عرفها الجمهور ضيفة على برامج حوارية قبل أن تقدم هذا البرنامج الذي لم يحقق نسب مشاهدة كبيرة، ما دفع طارق نور إلى التخلص من عمارة بهدوء. هكذا، عادت إلى موقعها الأساسي كأستاذة للإعلام في «جامعة حلوان» بعدما وقعت في العديد من الأخطاء المهنية خلال أشهر بث البرنامج. وفيما يظل طوني خليفة الاسم الأكثر استقراراً على شاشة القناة، يأمل نور في أن تنقذه الإعلامية أماني الخياط من التراجع المستمر في نسب المشاهدة. وكانت الخياط قد أطيح بها من «أون تي في» بعد واقعة اهانة الشعب المغربي. ومن المنتظر أن تطل عبر برنامج مسائي مطلع الشهر المقبل، في اطار خطة شاملة لإنعاش القناة التي عانت من تراجع جماهيريتها إثر مغادرة إبراهيم عيسى نجمها الأول العام الماضي.