نانسي عجرم لا تريد أن تفسد تسريحة شعرها، أو الـ«رايبن» العريض الذي يكاد يصل إلى منكبيها، ستدفع تبرعاً، وهذا «أفضل لها ولهم». هذا ما تقوله في الفيديو، وإن كنّا نعرف من هي فنانتنا الرقيقة، فلا نعرف ما هو الأفضل، ولا نعرف من هم. وإذ لا يعود الفيديو صادماً من الناحية البصريّة، لشدة ما هرع الـ «بابليك فيغرز» إلى حمّامتهم، وملأوا «سطولهم» بالماء، معززاً بمكعبات ثلجيّة لأجل بعض المرح المجاني، فإن التفسير الوحيد للظاهرة، هو تفسير لن يروق كثيرين (الأخبار 22/8/2014).
نانسي ونجوى ونيشان (المهضوم) وزافين (صاحب السؤال الشهير: «شو حسّيت»)، وكل من شاءت الصدفة أنه ظهر على التلفزيون، بطريقةٍ ما، أن يسكبوا «السطول» على رؤوسهم، دعماً لبحوث علميّة خاصة بمرض التصلّب العضلي الجانبي. وهذا مرض لا نعرف عنه الكثير في بلادنا، إما لنقص في اهتمام الجماعات هنا بالبحث العلمي أساساً، وإما لندرة وجوده بيننا. وهم يشاركون في هذا الدعم، «انسانيين كثر» كجورج بوش الذي سكب «سطلاً» على رأسهِ، كما سكب أطنان القنابل على رؤوس العراقيين، مثلاً، أو نجوم حقيقيين، كليونِل مِسي وكريستيانو رونالدو، لم يتورطوا في حروبٍ ولا مجازر. في حالة بوش، يصير الأمر سوريالياً للغاية، سيحار المشاهد السعيد للحظة، ويسأل نفسه سؤالاً محقاً: أين «السطل» وأين «الرأس». وهذا الشق هو الشق الأكثر إثارة في اللعبة، وقد يتكرر في أكثر من مشهد ومع أكثر من شخصية: من هو «السطل» وأين هو «الرأس». وهكذا تصير اللعبة مسليّة إلى حدٍ ما.
جورج بوش سكب «سطلاً» على رأسه كما سكب أطنان القنابل على رؤوس العراقيين

وبطبيعة الحال، هناك تفسير لهذه الخفّة «العالميّة» التي وإن بدت «لطيفة» في ظاهرها، فإنها تعكس التسارع الواضح في طبيعة عمل النظام الرأسمالي. لا نقول هنا إن هذا هو التفسير الوحيد، لكن بإمكان أي متصفح للإنترنت اليوم، أو ما يعرف «خفةً» أيضاً، بمواقع «التواصل الاجتماعي»، أن يحصي كميّة كبيرة من السطول الهاطلة على رؤوس أصحابها، من دون أن يفهم السبب الحقيقي لذلك. وهكذا، يصير الأمر، كتناول ساندويش هامبرغر، إلى جانب صف طويل من المتناولين، للصنف ذاته، مع بعض الفروقات الطفيفة، أو شراء زجاجة «كوكا كولا» من براد عملاق. ستفتح المصفح، وستجد تلقائياً، فناناً هنا، أو لاعباً هناك، يسكب دلواً على شعره، وسيبدو الأمر في كل مرة لطيفاً، وقد يدفعك إلى الضحك، أو ربما إلى الرغبة بالمشاركة في التهريج. تكرار الأمر على هذا النحو العبثي والهزلي، يخدم الطابع الترويجي للقضيّة، بيد أنه يمنحها طابعاً استهلاكياً منفراً، على غرار السائد من ملحقات النظام الرأسمالي الذي يسوي الأفكار بالأرض، عبر تعليبها وتعميمها على الجماعة كمنتج جاهز للاستهلاك.
في المحصلة، لا بأس. يمكن أن يكون أفضل ما فعله بعض الفنانين، لا كلّهم، هو سكب الثلج على رؤوسهم. الثلج منعش أكثر بكثير من الأغنيات الهابطة إلى قعرٍ لا يمكن المياه أن تصله مهما كانت باردة.