يصل غسان مسعود (1958) في الموعد المحدد. نلتقيه في طرطوس التي ينحدر من إحدى قراها الجبليّة (فجليت). النجم السوري يتوخّى الدقة في كلّ ما يفعل. «صلاح الدين» في «مملكة السماء» (2005) لريدلي سكوت، لديه الكثير ليقوله بعد تجربته الثانية مع المخرج الإنكليزي الشهير في «سفر الخروج: آلهة وملوك» الذي سيُعرض في نهاية العام الحالي. في السياق، يمرّر مسعود رسائل عدة تخصّ المشهد الفنّي السوري، هو الذي أدى بطولة عملين في الموسم الرمضاني الأخير: «بواب الريح» (تأليف خلدون قتلان، وإخراج المثنّى صبح)، و«حلاوة الروح» (تأليف رافي وهبي، وإخراج شوقي الماجري).
«ألعب دور المستشار الأكبر لرمسيس ووالده». يحدّثنا عن دوره في الفيلم الذي صدر إعلانه أخيراً، ليستطرد قائلاً: «كنت قد اعتذرتُ من ريدلي سكوت عن عدم المشاركة فيBody of lies (2008) لأسباب لستُ بوارد ذكرها الآن. ظننتُ أنّه لن يطلبني مرّة أخرى استناداً إلى العقلية السائدة. فوجئتُ به يرسل لي مجدّداً، فذهبتُ لألبّي الرجل من دون تردد». نسأل عن حساسية الشريط دينياً وسياسياً. كريستيان بيل يلعب دور النّبي موسى الذي ينقذ «بني إسرائيل» من بطش الفرعون المصري. ثمّة هواجس تتعلّق بالرواية الصهيونية مثلاً. أيضاً، يبدو أنّه فيلم ملحمي يقدّم قراءة قد لا تتفق مع الرواية الدينيّة كما فعل دارين آرنوفكسي في «نوح» هذا العام. غسان مسعود مدرك لكلّ ذلك. يتحدّث بارتياح عن «عدد من العوامل والضمانات»، مبيّناً: «مديرة أعمالي نشوى الرويني لديها مكتب اسمه «بيراميديا»، فيه محامون وقرّاء ومترجمون. هي تعرفني جيّداً، ولا ترشّح لي ما يمكن أن أرفضه. لذلك أحياناً لا يصلني السيناريو أصلاً كما حدث في فيلم Thor مثلاً. ثانياً، أنا أعرف ريدلي سكوت جيّداً وأثق به. الرجل، بدوره، عرف عنّي الكثير، وبالتالي لا أتصوّر أنّه يعرض عليّ فخّاً. هو مثقف حر، لا أعتقد أنّه معنيّ بتقديم شيء هشّ أو هامشي». يردف مسعود ببساطة: «في النهاية، أنا ممثّل أؤدّي الدور المطلوب منّي، ولست صاحب اللعبة».

مشروع تركي إيراني لتحويل رواية «قواعد العشق الأربعون» لإليف شفق إلى فيلم روائي

إذاً، هل يعني هذا القبول بأيّ «ورق» يأتي من وراء البحار؟ يردّ بصراحة: «بالتأكيد لا، ولكن دعني أكون صريحاً. عندما اعتذرتُ سابقاً عن أفلام مثل Body of lies و«سيريانا» (إخراج ستيفن كاهان – 2005) لأسباب فكريّة أو ثقافيّة أو ما شابه، اكتشفتُ أنّ لا أحد يأبه للأمر برمّته. بعض النخب متورّطة مع أقذر عدوّ للأمّة اليوم. سألتُ نفسي: هل أنا مرجع سياسي أم ثقافي أم ديني؟ ما قيمة اعتذاري كممثّل في صناعة كاملة؟ من يدفع ثمن ذلك غيري؟ لستُ نادماً على تلك الاعتذارات، ولكنّي أخطأت عند تقديمها».
بعد عرض «قراصنة الكاريبي: في نهاية العالم» (إخراج غور فيربينسكي – 2007)، سمع غسان مسعود الكثير من الانتقادات حول قبوله بدور صغير وغير مؤثّر. هل يهتم لمساحة الدور الآن أم أنّ النسيم الهوليوودي كاف بحدّ ذاته؟ يقول: «لن أخوض في حديث الكاريبي مجدداً. ذكر عدد المشاهد التي صوّرتُها، وعدد ما عرض على الشاشة لم يعد مجدياً اليوم. في «سفر الخروج: آلهة وملوك»، صوّرتُ 16 مشهداً، لا أعرف كم سيُعرَض منها. في هوليوود، المشهد هو دور. ممثّلون كبار مثل بين كينغسلي، يظهرون في بضعة مشاهد. عموماً، لا يوجد استوديو في هوليوود يمكن أن يعرض دوراً أوّل على ممثّل عربي، كذلك فإنّني في مرحلة عمرية تفرض خيارات معينة».
تفاصيل كثيرة يخصّنا بها الممثّل السوري حول التجربة الأخيرة. يقول: «ريدلي سكوت أضاف إليّ بعض المشاهد الصامتة أثناء التصوير. عندما سألته، قال لي: هذا الشخص مستشار للأب والابن، ولكن أريده أيضاً شاهداً على تاريخ المرحلتين. اصنع داخلك شيئاً لتأخذه الكاميرا من عينيك. كان كلاماً مهماً بالنسبة إليّ لفهم أداء الشخصية بشكل أفضل». نعلّق بأنّ هذا يذكّرنا بدور جيريمي آيرونز في «مملكة السماء»، فيوافقنا الرأي. بصفته سورياً، كان من الطبيعي أن تحضر أزمة بلاده في الكواليس الهوليوودية. يقول: «في استوديوات «بينوود» في لندن، سألني ريدلي سكوت: ماذا يحدث في سوريا؟ أجبته: أنت «سير» ومثقف وصانع أفلام، لذلك أرغب في رد السؤال إليك»، فأجاب: حرب الطاقة. كريستيان بيل قال لي الإجابة نفسها في غرفة الماكياج. هنا علينا أن نفهم كعرب وكسوريين أنّه لا مكان عند هؤلاء للعواطف وللتعاطف، لا مع النظام ولا مع المعارضة. هؤلاء يشتغلون على مصالح بلادهم العليا فقط». نسأله عن رأيه بتجربة زميله السوري جهاد عبدو الذي صوّر فيلمين هوليووديين حتى الآن: «ملكة الصحراء» للألماني فيرنر هيرتزوغ (بطولة نيكول كيدمان وجيمس فرانكو)، و«تصوير لأجل الملك» للألماني توم تايكوير (بطولة توم هانكس). يجيب: «ليس لديّ فكرة عن ذلك، ولكن سأصفّق له طويلاً إذا قدّم شيئاً جيّداً». هل تلعب الموالاة والمعارضة دوراً في هوليوود اليوم؟ يهزّ رأسه نافياً: «لا أعتقد ذلك».
ماذا تعلّم من الاحتكاك بصناعة أفلام الـ«بلوك باستر»؟ ما الذي تغيّر فيه؟ يجيب: «وجدتُ أنّ سر عظمة هؤلاء الناس هو التواضع الشديد، الذي نفتقده كثيراً في وسطنا. لذا، زادتني التجربة تواضعاً. كيف نفهم المهنة وكيف نتعاطى معها. شخصياً، لم أحد قيد أنملة عن مبادئ عامة أردتها لنفسي في هذه المهنة. ما زلتُ ذلك الولد الذي يبني اليوم بعض الأحجار تحت شجرة سنديان في قريتي أعلى جبال طرطوس».
يأتي السؤال الملحّ: أين غسان مسعود من سينما بلاده؟ يجيب: «السؤال لا يوجّه إليّ. عملتُ مع زهير قنوع في فيلم قصير مستقل مجاناً، ومع سلاف فواخرجي في مشروعها «رسائل الكرز» (لم يُعرَض بعد). طرحتُ مشروعاً ضخماً هو «المتنبّي» لم يلتفت إليه أحد. رأس المال غير مهتم بالفعل الثقافي. العرب لا يريدون سينما جادة. بالنسبة إلى «المؤسسة العامة للسينما»، ما طُرحَ عليّ، قبل تولّي محمد الأحمد إدارة المؤسسة، وقبل جيل المخرجين الشباب، لم يكن لائقاً. الآن هناك كلام بخصوص فيلم باسل الخطيب القادم. أخيراً، اعتذرتُ عن فيلم جود سعيد «مطر حمص» بسبب ارتباط آخر، وبسبب موقع التصوير في حمص. أمتلك من الجرأة ما يكفي، لكن العائلة لها اعتبارات كثيرة، فلم أتمكّن للأسف».
عن جديده، يكشف غسان مسعود عن مشروع تركي – إيراني لتحويل رواية «قواعد العشق الأربعون» لإليف شفق إلى فيلم روائي. «آمل أنّني سأقدم شمس الدين التبريزي. أشعر بأنّنا بحاجة إليه كثيراً». أيضاً، يطير إلى تركيا قريباً ليُكرّم في مهرجان «بورصة» السينمائي للمرة الثانية بعد عام 2007، كذلك سيكون أحد أعضاء تحكيم جوائز «إيمي» العالمية.



فيلموغرافيا

بعد مشاركة في «المتبقي» (1995) للإيراني سيف الله داد، حقق غسان مسعود قفزة في مسيرته الفنيّة بشخصية «صلاح الدين» في «مملكة السماء» (2005) للإنكليزي ريدلي سكوت. انتقل إلى تركيا في «وادي الذئاب: العراق» (2006) إخراج سردار أكار وسعد الله سنتورك، ثمّ قام ببطولة الفيلم التجريبي «ظلال الصمت» (2006) للسعودي عبد الله المحيسن، قبل أن يعود إلى هوليوود في «قراصنة الكاريبي: في نهاية العالم» (2007) لغور فيربينسكي. في السينما المصرية، شارك في «جوبا» (2007) لأحمد سمير فرج، و«الوعد» (2008) لمحمد ياسين، ليرجع مجدداً إلى تركيا في «فراشة» (2009) إخراج سيهان تاسكين وغوناي غونيدين. وفي نهاية العام، سيظهر في «سفر الخروج: آلهة وملوك» (2014) مع ريدلي سكوت ثانيةً.






الدراما التلفزيونية

لا بدّ من أن نسأل غسان مسعود عن عمله في الموسم الدرامي الأخير. يتحدّث عن «بواب الريح» الذي قدّم فيه شخصيّة قائم مقام قلعة دمشق هاشم آغا الدهمي: «أحترم التجربة والرواية التاريخية ورؤية المؤلّف وعوالم المثنّى صبح الإخراجيّة، ولكن ملاحظاتي حول بنية المسلسل وجرعة الدراما فيه لم تتغيّر منذ البداية». ماذا عن «أبي ربيعة» الشيخ السلفي الذي يتجّه للتصوّف في «حلاوة الروح»؟ لا يخفي مسعود اعتراضه على الحلقات الأخيرة من المسلسل «لأنّها لم تكن حسب التوجّهات التي أردنا بناء المسلسل على أساسها، والنقاشات المثمرة التي دارت على مدار شهر كامل مع المخرج والمؤلّف والمنتجة رولا تلج. أردنا تقديم نوع من التوازن، والرؤية بعينين اثنتين لما يحدث بين السوريين، وهذه وظيفة الفن الوطني. لا أعمل في أيّ نتاج يحاول خطف الدراما لتقديم وجهة نظر دعائية لمصلحة طرف بعينه. على الدراما أن تكون جامعة». ينسحب انتقاده على المشهد الدرامي برمّته. «نحن غرائزيون في كل شيء. صناعة الدراما تزداد تخلّفاً، كما نرى في الأعمال المترجمة هندياً ومكسيكياً وما إلى ذلك. وأقول لمن يتحدّث عن رغبات الجمهور والرأي العام: نحن من ضللنا الرأي العام وأخذناه إلى هذا المستوى المتدنّي من الثقافة والوعي».