أداء «داعش» الإعلامي، على مختلف المنصّات، ولّد إجماعاً عالمياً على قدراته الواسعة واستراتيجيته الدقيقة والمعقدة في هذا المجال. ترافق إعلان «الدولة الإسلامية» مع خطة إعلامية متكاملة ومعقدة للدعاية والبحث عن مجندين جدد، تتركز في جزء كبير منها على السوشال ميديا (الأخبار 24/6/2014).
هذه القدرات المتنامية تستحوذ منذ فترة على اهتمام الإعلام الأجنبي ومراكز الأبحاث الغربية المتخصصة في هذا المجال. اهتمام تجسّد في التحقيق الذي أفردته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية السبت الماضي لهذه الغاية، وهو من إعداد مار تاونسند وتوبي هيلم. شددت الصحيفة على أنّ نتائج المواجهة بين الغرب و«الدولة الإسلامية» ستتأثّر بهوية من سيربح العقول والقلوب من خلال البروباغندا، كما في الحملات العسكرية. وأضافت إنّ عناصر «الجيش الإلكتروني» التابع لتنظيم «داعش» يقدمون دعماً كبيراً لـ«عملياته الوحشية على الأرض». هنا، استعانت الـ«غارديان» بفيديو إعدام الصحافي الأميركي جايمس فولي الذي انتشر الأسبوع الماضي بأسلوب غير مسبوق. وأوردت الصحيفة أنّ طريقة إنجاز المقطع المصوّر، لجهة الإنتاج والمونتاج، عززت فكرة أنّ أدوات هذا التنظيم الإرهابي سهلة وبسيطة، لكن صادمة في الوقت نفسه: «تمزج بين المضمون الهمجي والإطار الجهادي الكول».
مدير مركز تحليل مواقع التواصل الاجتماعي في Demos (خلية تفكير)، جايمي بارليت، شرح أسباب تفوّق «داعش» على غيره من التنظيمات التي حاولت قبل سنوات الظهور على أنّها «جهادية كول»، مشيراً إلى أنّه استطاع تسخير السوشال ميديا بسرعة وسهولة لضمان نشر صورته وأفكاره حول العالم.
ولفت بارليت إلى أنّ أعضاء «داعش» شباب في العشرين يألفون أدوات الإنترنت وأساليبها منذ الصغر: «هم يعرفون أنّ إنشاء تطبيق إلكتروني ليس عملية معقدة، وكذلك استخدام تويتر، كما يجيدون طريقة تحميل فيديو ذي مضمون سيّئ على يوتيوب ونشره بسرعة، إضافة إلى أنّهم يدركون أنّ إنتاج بروباغندا ذات شكل جيّد بكلفة قليلة، بات اليوم أكثر سهولة مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عشر سنوات».
صحيح أنّ التضييق الذي بات يطال أعضاء ومؤيدي «الدولة الإسلامية» على تويتر وفايسبوك ويوتيوب وإنستاغرام جعلهم يلجأون إلى أخرى أقل شهرة وأكثر مرونة مثل Diaspora (راجع المقال أدناه)، غير أنّ آلاف الحسابات لا تزال تعمل على نشر أفكارها وأخبارها على الشبكات الذائعة الصيت.
لفتت الـ«غارديان» إلى أنّ ناصر بلوشي مثلاً لا يزال يحاول تجنيد الشباب عبر تويتر لصالح «داعش»، مضيفة إلى أنّه من بين اليافعين العالمين بخفايا التكنولوجيا الذين تحدّث عنهم جايمي بارليت، وأطلق عليهم تسمية «الناشرين الجدد». في نيسان (أبريل) الماضي، وفيما كان التنظيم يحاول «فرد عضلاته» في شمال سوريا، اعتبرت إحدى الدراسات المعمّقة التي أجراها «المركز الدولي لدراسة التطرف» (ICSR) في بريطانيا أن بلوشي هو «مصدر إلهام أساسي لشبكات المقاتلين الأجانب في سوريا».
على مدى سنة كاملة، حلّل الباحثون في ICSR بروفايلات 190 مقاتلاً أوروبياً وغربياً في صفوف «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وتبيّن أنّ الغالبية آتية من المملكة المتحدة. كذلك، درس هؤلاء حسابات تعود إلى آخرين ينصحون المقاتلين ويرشدونهم. هكذا، يكون 18,223 هو عدد إجمالي الحسابات العائدة إلى مستخدم واحد التي شملتها الدراسة. مستخدمون يتبعون مقاتلين أجانب على تويتر، ومتابَعون بدورهم من قبل المقاتلين، فضلاً عن 15,000 تغريدة و1,186 هاشتاغاً و1,969 رابطاً.
التقرير النهائي للمركز ركّز على أنّ تغريدات «الناشرين الجدد» تؤثر في أفكار مقاتلي «داعش» عن الجهاد. وقال مدير ICSR البروفسور بيتر نيومان إنّ «الناشرين» ليسوا بالضرورة من العراق وسوريا، بل يمكن أن يكونوا «مقيمين في لندن أو شمال بريطانيا، ويطرحون أنفسهم كناطقين رسميين باسم التنظيم»، قبل أن يخلص إلى أنّ «العامل الجديد في هذه الحرب هو دور السوشال ميديا في مجرياتها وتجنيد المقاتلين الأجانب».
في هذا السياق، أوضحت الدراسة أنّ أبرز المواقع الإلكترونية المستخدمة من قبل العناصر المسلحة هي تويتر، وask.fm الذي يتخذ من لاتفيا مقرّاً له. أما أكثر المغردين المؤثرين في هذه الشريحة فهو Shami WitnessK، علماً بأنّ عدد متتبعيه قفز من 4,700 إلى 11,900 منذ نيسان (أبريل) الماضي.
كثيرة هي التفاصيل التي يمكن التطرّق إليها للتأكيد على قوّة «الدولة الإسلامية» في مجال الإعلام، والأسباب الكامنة وراء ذلك. إلا أنّ الأكيد أنّه إذا كان العالم يحلم بمقارعة هذا الخطر الداهم وهزيمته، فعليه أن يأخذ «الناشرين الجدد» بعين الاعتبار أيضاً!