أخرج العدوان الصهيوني الأخير على غزّة أفضل ما في الفلسطينيين، فالكثير من الفنون التي لم يكن كثيرون قد سمعوا عنها، باتت في متناول الجميع، خصوصاً محبّي الشعب الفلسطيني والمقدّرين لصموده. ولأن الصمود لا يكون بالصاروخ والبندقية وحدها، كان الفن عاملاً مساهماً وداعماً للفكرة ذاتها، ولا بد من أن الجملة هذه قيلت آلاف المرات، لكنها ما زالت شديدة الدقة في وصف الحالة الفلسطينية تحديداً.
تأتي لوحات عماد أبو اشتيه تكريساً لذلك. الفنان الفلسطيني الأردني لم يعرفه رواد الشبكة العنكبوتية إلا أخيراً من خلال لوحته التي تجسّد بناءً مهدّماً متجسداً داخل جسد امرأة ترتدي الثوب الفلسطيني التقليدي. اللوحة تحوّلت فجأة إلى «كنزٍ» معنوي لمتابعي شبكات التواصل، فتناقلها الجميع وتبادلوها، وإن لم يعرف كثيرون من هو صاحبها. اللافت أن أبو اشتيه ينجز هذا النوع من الرسوم منذ مدة ليست بوجيزة. لكن يبدو أن الحدث (أي العدوان) هو الذي جعل الجمهور يتنبه إلى أعماله.

وكان أبو أشتيه قد رسم الفنان الفلسطيني محمد عسّاف في لوحةٍ خاصة إثر فوز الأخير بلقب «محبوب العرب»، وانتشرت اللوحة كثيراً عبر شبكات التواصل، وإن لم يعرف صاحبها، وهي للأسف عادات مواقع التواصل الاجتماعي في إغفال اسم الرسام. حصل الأمر نفسه حين رسم أبو أشتيه المناضل القسامي عبدالله البرغوثي وجرى تناقل الصورة أيضاً من دون ذكر اسم الرسام. أبو اشتيه ينحدر أصلاً من قرية القباب في قضاء الرملة، إلا أنّه مولود في عمّان عام 1965 لأبوين فلسطينيين، وتعلّم الرسم بالممارسة. يقول عن نفسه: «لا أجيد الحديث عنها (أعماله) لأنّها بكل بساطة تتحدث عن نفسها وتخاطب الصغير والمسن، الميكانيكي والدكتور، الأمّيْ وأستاذ اللغة. ولو أجمع النقاد على عمل من أعمالي، وجاءني عامل نظافة ليقول: «أنا مش حاسس فيه»، حينها أعتبر أنّ العمل لم يرق إلى المستوى المطلوب».
يفضل أبو اشتيه الرسم الرقمي، رغم أن بداياته كانت في الأعمال الزيتية والمائية والباستيل. يحاكي «التراث» الفلسطيني في معظم لوحاته من الثوب والعلم والنقوش في الثوب الفلسطيني نفسه، وصولاً إلى البرتقال والحصان والقدس وسنابل القمح ومفتاح العودة. ولكن أبرز ما يشد في لوحاته هو حضور المرأة الزاهي والكبير، فهي أحياناً تخيط، وتارةً تنظر نحو البعيد، وحيناً تجلس وتفكّر، ولكنّها لا ترتدي إلا ثوباً فلسطينياً، كأنما هو إيحاءٌ بأن هذه المرأة ــ بكل تجلياتها ـ هي فلسطين.