القاهرة | ربح السينمائيون المصريون جولة مهمة في الصراع الدائم والمستمر بينهم وبين الحكومة، ممثلةً في وزارة الثقافة ووزيرها جابر عصفور. تراجع الأخير عن تشكيل «لجنة حرية الإبداع» التي اعتبروها بمثابة سلطة تقيّد سلطات «هيئة الرقابة على المصنفات الفنية» التي هي بالأصل مقيَّدة طبقاً للقوانين القديمة التي تسير عليها الرقابة. عصفور استجاب لطلب أعضاء لجنة السينما في «المجلس الأعلى للثقافة» وسحب اقتراح تشكيل اللجنة، لتعود الرقابة مجدداً سيدة قرارها.

لكن الوزير واصل دفاعه عن الفكرة، مؤكداً أنّ هدف اللجنة كان حماية الرقيب أياً كان اسمه من القوى الدينية من دون أن يسميها في حواره مطول أجرته معه جريدة «التحرير» قبل يومين.
إذ كان الهدف من «لجنة حرية الإبداع» قبل وأدها في المهد أن تُعرض عليها الأفلام المثيرة للجدال التي تحتجّ عليها الجهات الدينية الممثلة حالياً في الأزهر الشريف والقوى السلفية. هكذا، يكون قرار «لجنة حرية الإبداع» هو النهائي لا قرار «هيئة الرقابة على المصنفات الفنية».

إلغاء لجنة الرقابة... والصراع سيحتدم بين المبدعين والتيار الديني


وكان الوزير قد اتخذ موقفاً باهتاً من الاحتجاج على عرض الفيلم الأميركي «نوح» إلى أن سحبت الشركة الموزعة (فور ستار) الفيلم قبل أن يصرّح عصفور مجدّداً بأنّ الفيلم لم يعد ممنوعاً، ويمكن طرحه في الصالات لكن بعد فوات الأوان. وبشكل عام، تضع الحكومة المصرية الحالية رأي الأزهر في الاعتبار في ما يتعلّق بالقضايا الفنية المثيرة للجدال. والمعروف أنّ رئيس الوزراء الحالي إبراهيم محلب هو الذي أوقف فيلم «حلاوة روح» بقرار غير قانوني، متخطياً صلاحيات رئيس الرقابة عبد الستار فتحي. بالتالي، يمكن القول بأنّ نجاح السينمائيين في التصدي لـ «لجنة حرية الإبداع» هو انتصار في جولة قد تعقبها جولات أكثر سخونة وشراسة بين المبدعين والجهات الدينية في مصر. وسيحدد الوزير الذي هو بالأصل أستاذ للنقد موقفه منها بحسب كل حالة.
لكن وفق ما صرّح لـ «التحرير»، فإنّه تراجع عن تشكيل اللجنة بسبب الخلاف عليها لا استجابةً لقرار لجنة السينما في «المجلس الأعلى للثقافة» لأنّ رأي اللجنة استشاري وغير ملزم للوزير وفق ما ينصّ عليه القانون. وقال الوزير إنّ الرقابة في طريقها لاستخدام أسلوب التصنيف العمري الذي لا يمنع عرض أي فيلم يحوي مشاهد أو أفكاراً جريئة، لكنّه ينصفه وفق أعمار المشاهدين المسموح لهم بدخول قاعة العرض. التصنيف العمري هو الحائط الآمن الذي يطالب به السينمائيون والحريصون على حرية الابداع كلما ازداد مقص الرقيب جلافةً. لكنّ تطبيقه يتطلب موافقة البرلمان الجديد الذي يُفترض أن ينعقد مطلع العام المقبل، على أن يكون معظم أعضائه من المؤمنين بحرية الإبداع.
لكن هذا الأمر غير مضمون، فإلى جانب الأعضاء المنحدرين من تيارات دينية، هناك الكثير من المحسوبين على الدولة القديمة ومؤيدي النظام الحالي أيضاً ممن لديهم تحفظات على حرية الإبداع. والطرفان يعتبران أنّ تلك الحرية ليست في مصلحة المجتمع المصري الذي لا يجد أبداً الفرصة للتعبير بحرية!