بغداد | منذ عام 2011 واسم عقيل خريف يطرح في المشهد الفنيّ العراقيّ، بعدما قدّم نفسه بوصفه فنّاناً يسعى إلى تحويل الخامات التالفة إلى لوحات ومجسّمات فنيّة. خلال محاولاته تلك، لم يأبه لبعض أهله وأصدقائه ممن أطلقوا عليه تسمية «أبو النفايات». أتى ذلك عقب عام واحد من حصوله على شهادة البكالوريوس من «كلية الفنون الجميلة» في بغداد.
تجد في أعماله موادّ متروكة ومرمية في الحاويات، من بينها إطارات السيّارات المستهلكة، وقناني الماء وصناديق البلاستيك والمولدات الكهربائيّة وغيرها من المعادن والأخشاب. عرفه المتابعون من خلال عمله الأوّل الذي أراده إدانةً للغريزة الطائفية في المجتمع، عبر استثمار الرمزية الشعبيّة للكوفية.
واظب خريف على حضور منتظم في الصحافة المحليّة، والعربيّة وإن بدرجة أقلّ، حاول فيه تكريس نتاجه ضمن ما أسماه بـ» الفنّ البيئي» أو «الفنّ الشعبيّ التركيبي المعاصر».
وفي ظلّ الهجمة الإرهابيّة والظلاميّة التي يواجهها العراق، كان واضحاً تميّز مجموعة من التشكيليّين في تجسيد الحدث وجسامته، بحيث بدا واضحاً تفاعلهم مع اللحظة الراهنة بإنتاج أعمال مثّلت مواقفهم بلغة جماليّة راقية، بين لوحة أو عمل نحتي.
لكنّ عقيل خريف (مواليد بغداد 1979) الذي بدأت مسيرته مع موجات ما سمي بـ «الربيع العربيّ»، بمعارض داخل العراق وخارجه في سوريا ولبنان وروسيا، أخذ يشتغل بعيداً من تجميل الأشياء وتلوينها لتغيير شيء من روحيتها. هو ذهب إلى خامات منسية ومهملة أرادها أن تكون أصدق تعبير عن الواقع، محاولاً التفرّد بتقديم نماذج وموادّ مخرّبة استهلكتها الحياة العامة، إلا أنّها ـ في تجسيده لها ـ تعرّي الواقع ولا تقفز عليه بل تظهره كما هو، عكس ما يفعله مبدعون ضمن محاولة نبيلة لبثّ خطاب مسؤول يشيع شيئاً من الأمل.
من هنا، فإنّ اشتغالات خريف صادمة تدعوك إلى التنبه إليها وإلى رسائلها. في عمله الجديد «الكيان المنبوذ: داعش» الذي أحدث ضجة في المشهد الفني العراقيّ لجهة ابتكاره في استعمال قاعدتي حذاءين تالفتين، تعبران بنحو مثير عن وجه «الداعشي». هو لخّص في عمله كلّ حكايا هؤلاء وجرائمهم ليضعها على واجهتي عمله، باستثمار بقايا أكثر من حذاء، ومعادن بعضها دائريّ مثقوب في إشارة إلى أنّ عين صاحبها لا ترى غير عاهة التطرّف المصابة بها، والآخر دائري أيضاً، بمنزلة عينين مغلقتين ومقفلتين على نفسيهما، بمعنى أنّ بصرهما مختوم عليه بلعنة الضحايا إلى الأبد، فيما جاء الفم بين أن يكون ممسوخاً أو موجوداً لكن بأنياب تفترس البشر المسالمين.
خلفية العمل البيضاء جاءت لتزيد من وضوح الصورة التي لا لبس فيها، أي أنّ المسافة هائلة وكبيرة بين أن تكون إنساناً أو أن تصبح حيواناً بملء إرادتك، بالضبط مثل الفرق الشاسع بين البياض والسواد، وهو ما كان يبتغيه الفنّان في توظيفه الأخير هذا.